سعود الفيصل .. آلام الرحيل

أي الحروف تفيك حقك، وأي الحروف ترثيك، وأنت الذي عشت عظيما، ورحلت عظيما؟ شامخا أكبر من كل الألقاب، عَصِيًّا على الوصف والنسيان، عشت فينا ومعنا ولنا، منذ عرفناك وكنا أطفالا وعرفنا أخبار العالم، وأنت تجوب الأرض قارة قارة، ودولة دولة، لا تردك الحدود، ولا تمنعك المسافات، كنت صوتنا ولساننا ووجهنا العروبي السعودي، كنت شيئا مختلفا عما ألفه السياسيون والزعماء، كنت وحدك مدرسة وعالما من الرقي والتسامح والفكر والدهاء، والفضل ما شهدت به الأعداء.
"سعود الفيصل" لا تُذْكَر السياسة إلا وتذكر، ولا يذكر الدهاء والحكمة واللباقة إلا مقرونة بذكرك، فأي مجد نلته أيها الفارس! وأي إرث تركته لنا بعدك!
40 عاما وأنت تدافع عن هذا الوطن العظيم، كنت ذراع الملوك وصوت العرب، تحاور وتناور بالوضوح ذاته، وذاك الشموخ الذي لا تخطئه العين، كنت عظيما وعميقا وفخرا لنا، فحق لنا اليوم أن نبكيك بأكثر من البكاء، ونحزن لرحيلك أكثر من الحزن، وليتك علمت أيها الفارس كيف تفاعل السعوديون مع خبر رحيلك، وبكتك الجموع ليلة البارحة، ورثوك بأعذب القصائد، ألم أقل لك إنك عصي وعصي وعصي على النسيان إلى آخر مدى الكلام.
40 عاما من الركض والكر والفر في ميادين السياسة، نراك في الصباح في القاهرة، وعصرا في دمشق، وفي المساء في مجلس الملك هنا في الرياض، وفجرا في بيروت، أو واشنطن، أو لندن، كيف كنت تفعل كل هذا بلا ملل أو كلل أو تعب؟ كيف كنت تجد الوقت لأسرتك أو محبيك وأنت الذي قضيت جل أيام عمرك فوق مقعد طائرتك؟ وعشت في السماء أكثر مما عشت على الأرض؟ من سواك أيها الفارس كان قادرا على ذلك؟ فأي تفرد نلته لتكون فارقا عن غيرك من فرسان السباق وقادة المعارك السياسية؟ في سنواتك الأخيرة، كنت تصارع المرض مثلما كنت تصارع تمزق أمتنا العربية، وبدل أن تحمل حقيبة أوراقك المعتادة، أضفت عليها حقيبة أخرى لأدويتك، وواصلت المسير بالنشاط ذاته والقوة والعزيمة، ولم يتغير برنامجك أو مواعيدك أو رحلات سفرك كنت تتحدى المرض ومكر الأعداء، وتدافع بسيف الفارس ولسان الشاعر، وقلم الأديب ورؤية القادة.
كنت وحدك في كل المحافل وطنا في رجل، وقامة عالية من الشموخ الفريد والصدق والنبل والعطاء، ومن يقول إنه يرثي "سعود الفيصل"، فهو واهم وواهم، وإن توشحت أحرفنا بالسواد واستسلمت للحداد، لكنها تبقى أسيرة وصاغرة في هيبة الفارس. وعزاؤنا أن الموت حق، والناس شهود الله في أرضه، والرحمة للفارس من رب رحيم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي