فِـكرة معقولة لإدارة الرسوم الجمركية الأمريكية
من المؤسف أننا لن نجد على الإطلاق أي تعبير استحسان من الممكن أن يُـقال عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثناء فعالية "يوم التحرير" التي أقامها مؤخرا في حديقة الورود (Rose Garden) في البيت الأبيض. ومهما حاول المرء أن "يُـعَـقـلِـن" سياسات ترمب الاقتصادية، فلن يجد ببساطة أي مبرر منطقي متماسك لتعريفاته التجارية "المتبادلة" المفترضة.
تلخص كيم كلوزنج من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس الأمر على أفضل وجه: "ستُـثـقِـل أكبر زيادة ضريبية في أكثر من خمسين عاما كاهل المستهلكين الأميركيين، فتفرض على الأسرة المتوسطة زيادة في الضرائب تبلغ آلاف الدولارات". على نحو مماثل، أصاب مايكل سترين من معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة كبد الحقيقة، حيث لاحظ: "هذه التعريفات الجديدة ستقلل، ولن تزيد، من فرص العمل في قطاع التصنيع. وستنتقص من القدرة التنافسية التي تتمتع بها شركات التصنيع". أما عن المنهجية الأساسية التي يقوم عليها حساب معدلات التعريفة الجمركية الجديدة، يقول دوج هولتز-إيكن صراحة: "إنهم يعتمدون على أساس يتعذر تبريره لإدارة سياسة يتعذر الدفاع عنها".
عملت كلوزنج في إدارة الضرائب في وزارة الخزانة في عهد الرئيس جو بايدن، في حين يُـعَـد سترين وهولتز-إيكن من الاقتصاديين الجمهوريين المرموقين. عندما يتفق هؤلاء الثلاثة تمام الاتفاق، فهذا مؤشر قوي على أن تعريفات ترمب الجمركية الأخيرة تمثل كارثة وطنية وشيكة.
أخيرا، قَـدَّمَ جلين هوبارد (رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد جورج دبليو بوش) وكاثرين ولفرام (التي عملت في قضايا متصلة كمسؤولة كبيرة في وزارة الخزانة أثناء إدارة بايدن) عرضا شديد الوضوح للطريقة الصحيحة للتفكير في كيفية ممارسة الضغط على روسيا. يشير هوبارد وولفرام إلى أن روسيا تحتاج إلى عائدات مستمرة من العملة الصعبة لشراء الأسلحة وغيرها من الإمدادات الأساسية المرتبطة بالحرب من الخارج، وأن صادراتها من الوقود الأحفوري (التي تبلغ قيمتها نحو 600 مليون دولار يوميا) هي مصدر الكرملين الوحيد المهم من الإيرادات الدولارية. الاستراتيجية التي يقترحانها بسيطة ورائعة:
"ينبغي للإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات على أي شركة أو فرد ــ في أي بلد ــ متورط في بيع النفط والغاز الروسيين. قد يكون بوسع روسيا تجنب هذه العقوبات الثانوية المزعومة من خلال دفع رسوم عن كل شحنة إلى وزارة الخزانة الأمريكية. سوف يُـعَـد هذا الدفع تعريفة روسية شاملة، وستبدأ منخفضة لكنها ستزيد كل أسبوع يمر دون التوصل إلى اتفاق سلام".
إن فرض تعريفة جمركية بقيمة 20 دولارا للبرميل الواحد على النفط الروسي كفيل بأن يدرّ ما بين 40 إلى 50 مليار دولار سنويا، تُـدفع للولايات المتحدة. في ظروف مثالية، من شأن التهديد المتمثل في التعريفة الروسية الشاملة أن يفرض على روسيا القدر الكافي من الضغط لحملها على الدخول في مفاوضات جادة، في حين من الممكن أن تشكل إزالة هذه التعريفة جزءا من صفقة تنهي الحرب الروسية- الأوكرانية المدمرة تماما وتجلب السلام الدائم لأوكرانيا. سيكون من السهل تصميم هذا الأمر بحيث يؤدي أي عدوان عسكري جديد إلى تجديد أو زيادة الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التعريفة الروسية الشاملة على الفور. للخروج من التعريفة الروسية الشاملة، ما على روسيا إلا أن تتوقف عن مهاجمة الناس.
كانت التعريفات التي أعلنها ترمب في "يوم التحرير" تتويجا لأول شهرين رهيبين قضتهما إدارته على الساحة العالمية. إنها في احتياج شديد إلى فوز لتعزيز الهيبة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم وإقناع المستثمرين بأن الولايات المتحدة لم تتحول إلى مكان عدمي ومدمر للذات تماما. ومن شأن نسخة محسنة قليلا من اقتراح التعريفة الجمركية المقدم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ــ نسخة تفرض تكاليف حقيقية على روسيا ــ أن تؤدي هذا الغرض على وجه التحديد.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.