الشركات التي تصنع مستقبلنا
يعرف رأس المال الجريء بأنه عبارة عن شركات استثمارية تستثمر في شركات صغيرة ومبتدئة ذات فكرة جذابة في أي قطاع كانت، وتقوم هذه الشركات أو الأشخاص بتنمية قيمة هذه الشركات الصغيرة ومن ثم إعادة بيع حصتها أو إبقائها بحسب العوائد الاستثمارية المتوقعة ومقارنتها بالفرص الأخرى. شركات رأس المال الجريء لا تستهدف توزيع الأرباح بقدر ما تستهدف تنمية القيمة السوقية للشركات التي تستثمر فيها من خلال توفير الدعم الإداري والمالي والعلاقات التي تتمتع بها شركات رأس المال الجريء. وتتخصص هذه الشركات في قطاعات معينة، فهناك شركات لا تستثمر إلا في المجال الصناعي، وشركات أخرى في المجال الخدمي والإعلامي، والشريحة الأكبر تتخصص في الاستثمار في التقنية وشركات الإنترنت. وتستخدم معظم هذه الشركات قاعدة 20/ 80، أي أنها تعتقد أن 20 في المائة من استثماراتها ستنجح، و80 في المائة ستخسر، ولكن ربحها في 20 في المائة من استثماراتها سيغطي كل خساراتها الأخرى، ولهذا أطلق عليها شركات رأس المال الجريء، أو Venture Capital Firms، أي أنها شركات تستهدف استثمارات عالية الخطورة، وفي الوقت نفسه ذات عوائد عالية، وهو أمر منطقي ومفهوم لأرباب الاستثمار.
تنشط شركات رأس المال الجريء في الدول المتقدمة بشكل كبير، وتتمتع هذه الشركات بتسهيلات قانونية كبيرة نظرا للقيمة المضافة التي تعطيها لاقتصاد بلدانها، وتسيطر الولايات المتحدة على حصة الأسد من سوق هذه الشركات. بين عامي 1996 و2013، استثمرت شركات رأس المال الجريء الأمريكية أكثر من نصف تريليون دولار "564 مليار دولار" أي بمتوسط بلغ أكثر من 31 مليار دولار سنويا، ومجموع المنشآت الصغيرة التي استثمرت فيها هذه الشركات بلغ 57739 شركة، وبمتوسط 3207 منشآت سنويا. لو طبقنا المعدل العام لنجاح مثل هذه الاستثمارات أي 20 في المائة، فستكون هذه الشركات قد أضافت 11547 منشأة فاعلة وناجحة وعالية القيمة "المادية والعلمية"، وفي تقرير لمجلة Inc فإن متوسط العائد من أرباح الشركات التي تحتفظ بها شركات رأس المال الجريء يبلغ 8,6 في المائة، أما الشركات التي تقوم ببيعها فإن عوائدها تصل إلى أكثر من 10 آلاف في المائة.
كل الشركات التي غيرت من حياتنا جميعا لم تكن لتخرج للحياة وتستمر وتحقق النجاحات الباهرة لولا شركات رأس المال الجريء، و"أبل" و"جوجل" و"ياهو" خير مثال.
كل ما سبق لم يكن لملء فراغ مساحة هذه الزاوية، ولكن للإثبات بالأرقام مدى فاعلية شركات رأس المال الجريء في حياتنا وفي الاقتصاد الوطني لأي بلد، وكل ما سبق هو الدليل الذي أستند إليه لأطالب وزارة التجارة والصناعة عبر هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالانتباه لهذا القطاع المهم وجوده في بلد كبلدنا يعاني الاعتماد على البترول كدخل أساسي وعلى الحكومة كموظف أساسي للقوى العاملة.
اليوم يقوم بنك التسليف وبعض الجهات الأخرى بجهود جيدة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر قروض، أغلبها لا يتواءم مع طبيعة أي منشأة جديدة، فوضع تنظيم قانوني لظهور شركات رأس المال الجريء أو دخول شركات رأس المال الجريء الأجنبية سيرفد اقتصادنا وحياتنا بقيمة كبيرة، قد تنقلنا نقلة نوعية وعظيمة.