عندما يبكي النفط
خلال الـ 15 عاما الماضية ارتفع سعر النفط من ما يقارب 30 دولارا للبرميل، إلى ما يقارب الـ 60 دولارا في عام 2006، ثم عاود الصعود حتى بلغ 140 دولارا للبرميل خلال عام 2008، ليعاود الهبوط إلى 90 دولارا في عام 2010، ليعود للتذبذب بين 100 دولار إلى 125 دولارا للبرميل خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلى انخفاضه لأقل من 40 دولارا خلال الأيام الماضية، وماذا بعد؟ ماذا كان رد فعل دول الخليج على هذا التذبذب الحاد في سعر السلعة التي تمول أكثر من 90 في المائة من دخل هذه الدول التي لا تتنفس إلا من خلال النفط؟
مع الأسف إن ردة فعل دول الخليج كانت عبر استخدام الإنتاج لموازنة الأسعار وللمساعدة في تجنب دخول منافسين جدد لأسواق النفط قد يهددون حصصهم السوقية، بينما كان من الأجدى لهذه الدول أن يرافق استخدام سلاح الإنتاج لتأمين دخلها، التوجه لسياسة تفتيت خطر النفط والتأسيس لمصادر دخل أخرى، لتشكل لها خروجا آمنا من ظل الاقتصاد النفطي الريعي الناضب والذي يبقيها فريسة سهلة لتذبذب الأسعار.
يدعي بعض المحللين أن إبقاء دول الخليج للنفط كمصدر رئيس لدخلها ترجمة لسياساتها الاقتصادية المتحفظة التي تعتمد على تأسيس احتياطيات نقدية عالية تحميها في أوقات تراجع أسعار النفط، لأن استثمار فوائضها المالية في قطاعات أخرى يعتبر أشد خطورة من الاعتماد على سياسة التحوط النقدي المستخدمة حاليا.
الغريب في هذا الرأي أنه لا يضع مستقبلنا كدول ومستقبل أجيالنا القادمة تحت وطأة الاعتماد على مصدر واحد للدخل فقط، بل يقامر بمستقبلنا جميعا ويراهن ضد التطور الرهيب للتكنولوجيا وللوسائل البديلة للطاقة سواء النفطية أو غير النفطية. استهلاك النفط بدأ في التراجع نتيجة للتطور التكنولوجي وزيادة كفاءة الآلات ووسائل التدفئة، فقد انخفض استهلاك الولايات المتحدة للنفط 10 في المائة تقريبا بين عامي 2007 ـــ 2013، وحتى الاعتماد على تزايد الاستهلاك الصيني، فهو لن يبقى بهذا المعدل لفترة طويلة، لأن النمو الصيني سيتباطأ نتيجة لوصوله لمراحل النضوج وارتفاع الفوائض النقدية وتضاؤل فرص الاستثمار لدى الصين.
الاعتماد على الغير في مصدر دخلنا الرئيس هو المقامرة الحقيقية، وحتى دعوات فرض الضرائب أرى أنها غير قابلة للتنفيذ لأسباب كثيرة. لن نستفيد من تراكم الاحتياطات النقدية بهذا الشكل إلا لو وظفناها لتوسيع قاعدة القطاع الخاص، وتنمية مساهمته في الناتج القومي ليصل إلى 70 في المائة على الأقل، حتى يتراجع عبء التوظيف والخدمات عن كاهل الدولة، وفي الوقت نفسه إيجاد شركات سعودية كبيرة تحقق تفوقا وتنوعا علميا واقتصاديا، ولا يتحقق هذا الهدف إلا عبر الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة الواعدة، بل حتى تأسيس سوق أوراق مالية للاستثمار في هذه الشركات والمؤسسات الواعدة سيصب في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي، والذي لا يتجاوز 45 في المائة حاليا.