قابل للكسر

قبل أيام سأل أحدهم طفلا عمره 11 عاما السؤال الأزلي: "ماذا تريد أن تصبح إذا كبرت؟ رد الطفل: ممثل ولاعب كرة وعازف جيتار. فقال السائل: لا قل أريد أن أصبح دكتورا أو مهندسا". ما حدث بين هذا الشخص والطفل أسميه القولبة؟
ظاهرة قولبة المجتمع "أي رسم قالب خيالي للمجتمع و محاولة فرضه على البقية" تظهر بشكل أكبر وأوضح في المجتمعات العربية من غيرها، أي أننا دائما ما نحاول وضع الآخرين ـــ أولادنا، موظفينا، أصدقائنا ــــ في قالب واحد، ويجب على كل منهم أن يجلس في هذا القالب كي نستطيع رؤيته وتصنيفه وفهمه بشكل مريح بالنسبة لأفهامنا!
ظاهرة القولبة تتكون من ثلاثة عناصر: الخوف من الفشل، الخوف من تحمل كلفة الفشل، النظرة الرومانسية للنجاح.
ما وجدته في أمريكا مختلف تماما، على الرغم من تعدد الأعراق والأديان، إلا أن المبدأ السائد هناك هو خوض التجارب، وكأنهم يطبقون قول علي بن أبي طالب رضى الله عنه "إن خفت من أمر فقع فيه" بالنسبة لهم إن التعثر والمحاولات غير الناجحة هو طريق للنجاح وتكوين الخبرة، هناك يدفعك المجتمع والمدرسة والجامعة لفعل ما تحب، ويقولون "إن أردت الإبداع، فافعل ما تحب"، بل حتى من يستسلم للمحاولات الفاشلة يستضاف ليتحدث عن أسباب فشله، ليصبح نجما ودليلا يهتدي به الآخرون.
معظم الناس ناجحون، بمعنى أنهم يحملون شهادات علمية، لديهم وظائف ذات دخل جيد، إلا أن النجاح الذي يصنع التغيير شيء مختلف، اليوم لدينا مئات أو آلاف من مهندسي البترول، ولكن كم شخص منهم تحمل المخاطرة واستقال من وظيفته ليدخل تجربة جديدة توصله لإنجاز أكبر؟ عند الحديث عن النجاحات الكبيرة يقفز إلى أذهان معظم الناس أمثلة مثل فيسبوك، سنابشات، إنستجرام، إلا أن هذه الأمثلة هي أمثلة شاذة عن القاعدة، لأن ما استطاع مؤسسو هذه الشركات تحقيقه كان في وقت قصير جدا، وهذا لا يحدث كثيرا وأغلبية من استطاع تحقيق التميز حققه بعد رحلة وجهد مضنيين مثل ستيف جوبز الذي طرد من الشركة التي أسسها لمدة عشر سنوات عانى خلالها التعثر كثيرا. بعد طرده من شركة أبل التي أسسها عام 1985، أي بعد ثمانية أعوام من تأسيس الشركة، أسس شركة نكست التي شارفت على الإفلاس بعدها بسنة واحدة، حتى تم إنقاذها عن طريق أحد المستثمرين، ولم تستطع شركة نكست طرح منتجها الأول إلا عام 1990 ولم تستطع تحقيق أرباح إلا في عام 1994 وكانت أرباحها مليون دولار فقط. في عام 1986، استثمر جوبز عشرة ملايين دولار في إحدى الشركات الصغيرة في مجال الرسوم المتحركة ولم تحقق النجاح إلا في عام 1996 بفيلم حكاية لعبة. و في العام الذي تلاه 1997م، كانت شركة أبل تتهاوى، وعاد مجلس إدارتها لستيف لكي يعود للشركة كرئيس تنفيذي ورئيس لمجلس الإدارة، ومنذ ذلك الحين و"أبل" تحقق إنجازا تلو الآخر، وهناك أمثلة كثيرة. قاعدة النجاح تتطلب جهدا كبيرا، ووقتا طويلا، أما ما يأتي بسرعة ما هو إلا شذوذ عن القاعدة.
مستقبلك وأحلامك وطموحاتك هي التي ستصنع تميزك، أما تنازلك عنها وقبولك بالقالب الذي يفرضه عليك مجتمعك أو عائلتك أو أصدقاؤك هو بمثابة قبولك بالجلوس في قالب هش قابل للكسر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي