ما معنى توفير الإسكان الميسر؟ وما المطلوب عمله؟
تستعمل عبارة الإسكان الميسر Affordable Housing بغرض وصف الوحدات السكنية التي تحقق حدا أدنى من المعايير السكنية، وتكلفتها تملكا أو استئجارا في استطاعة ذوي مستويات دخلية محددة، تضم ما لا يقل عادة عن نصف السكان. ويفترض أن تضع جهات حكومية مرجعية تلك الحدود الدنيا من معايير السكن، مراعية اعتبارات عديدة.
وقد اقترحت دراسة الدكتور فهد الحريقي والدكتور عدنان الشيحة والدكتور جمال الدين سلاغور، كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك فيصل، الدمام، صفر 1425 بعنوان "تقدير أعداد ومساحة ونوع المساكن في المملكة العربية السعودية للعشرين سنة القادمة"، أن يكون نصيب الفرد من غرف النوم 0.4 غرفة لكل فرد، ولا يزيد إجمالي عدد الغرف عن غرفة واحدة لكل فرد من الأسرة.
وأظهر بحث الدكتور علي باهمام "الإسكان الميسر: تطوير معايير لأنموذج مستقبلي من الإسكان في المملكة العربية السعودية"، أن هناك مجموعة من العوامل والمعايير التي تسهم بشكل فعال في جعل الإسكان ميسرا، أي أقل تكلفة لنسبة أكبر من الأسر، سواء في مرحلة التصميم أو مرحلة التنفيذ.
ومن المهم هنا التنبيه على أن المسكن الميسر غير المسكن المنخفض التكاليف، نتيجة بنائه بطريقة بناء غير تقليدية، يقول أو يدعي أصحابها أنها منخفضة التكاليف انخفاضا ملموسا، مقارنة بالطرق التقليدية.
وعبارة "إسكان ميسر" طبقت في دول كثيرة في البداية على أصحاب الدخول التي تقل عن ذوي الدخول المتوسطة. إلا أن ارتفاع تكاليف السكن وتزايد أعباء الحياة جعل الفكرة تعمم للتطبيق على غالبية ذوي الدخل المتوسط أيضا، وتصبح القضية حينئذ نسبية، بحيث تعني الإسكان المستوفي الحد الأدنى من المعايير، والمقدور عليه، سواء استئجارا أو تملكا من قبل غالبية السكان، حسب ظروفهم المادية وغير المادية على المدى البعيد، ومن ثم فهي تتأثر بأوضاع الاقتصاد المتوقعة في الأجل الطويل، وهذه نقطة مهمة جدا، حيث يجب أن تبنى السياسات على أساس قابليتها للرسوخ والاستمرار في تحقيق احتياجات الناس على المدى البعيد. وهذا الهدف قد يتعارض مع الرغبات الوقتية لكثيرين.
طبعا هناك فئة أسوأ حالا ماديا من ذوي الدخل المنخفض جدا، وهي الفئة المعدومة الدخل، ويمكن أن يلحق بها ذوو الدخل المنخفض جدا. بعبارة أخرى، الفئات الأشد فقرا في المجتمع واستحقاقها للزكاة مؤكد. هذه الفئة غير قادرة على تحمل أعباء سداد أقساط شهرية، ولو كانت مئات الريالات شهريا، ومن ثم فهذه الفئات ليست معنية بعبارة الإسكان الميسر. هذه الفئة يناسبها الإسكان الخيري، الذي يمول كليا من الإعانات الحكومية و/أو تبرعات الأهالي والقطاع الخاص. والإسكان الخيري قد يكون تمليكا وقد يكون سماحا بالسكن دون تمليك، ويعد هذا النوع من أنواع الدعم السكني، الذي يتخذ أشكالا عديدة، خاصة في الدول الغربية.
تضع المعايير والتقسيمات الداخلية سلطة أو جهة مرجعية، وينبغي أن تكون موضع ثقة عموم الناس. ويخضع تحديد أو تقرير هذه الفئات إلى اعتبارات كثيرة، مثل مكان السكن من الناحية الجغرافية، وعدد سكان العائلة، وأحوال الاقتصاد وتوجهات التوظيف والعمل على المدى البعيد.
أكثر المعايير قبولا في دول العالم في التعرف على القدرة السكنية "الميسرة" تستند إلى أن تكلفة السكن، سواء أقساط تملك أو أقساط إيجار، ينبغي ألا تتجاوز ثلث دخل العائلة. وتشمل هذه التكلفة عادة فواتير الطاقة والماء. وهذا يعني أن تكلفة السكن وحده دون هذه الفواتير ينبغي أن تكون في حدود ربع الدخل. وينبغي ألا يستمر دفع الأقساط أكثر من بضع عشرة سنة في حال التملك.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا في المملكة؟ رسوم الأراضي "مقرونة بالأوضاع الاقتصادية الحالية" عملت وتعمل على خفض أسعار الأراضي وليس تكاليف البناء. وأتوقع معدلات انخفاض في أسعار الأراضي على المدى المتوسط لا يزيد متوسطها العام على 30 في المائة. اعتمادا على عوامل كثيرة. ماذا بشأن المدى البعيد؟ يعتمد على متغيرات كثيرة من اقتصادية وغير اقتصادية. مثلا تحسن أسعار النفط بشكل واضح ينتج منه زيادة الانفاق فدرجة من التضخم.
باختصار انخفاض أسعار الأراضي لن يحقق وحده إسكانا ميسرا. لا بد أيضا في غالبية المساكن من خفض العناصر الأخرى المؤثرة في تكلفة السكن، مثل المتوسط العام لمساحة الأرض "للفلل" والمتوسط العام لمسطحات البناء.
وبإمكان الحكومة تبني سياسات تخفض تكلفة التمويل، مثلا عبر تجميع طلبات التمويل لتعامل بأسعار الجملة. ومطلوب رفع مستوى الادخار في المجتمع، وهذا وحده موضوع طويل عريض.
مطلوب أيضا محاولة خفض تكلفة المتر المربع من البناء، وهذا موضوع هندسي، خارج تخصص ومعرفة الكاتب.
ومن جهة البلديات والإسكان، لا بد من سياسات تعالج مشكلات وتكاليف في تطوير الأراضي الخام، ولا بد من مراعاة الجوانب الاقتصادية في اشتراطات وتنظيمات التخطيط العمراني. من الأمثلة:
تقليل المساحة غير المستغلة من الأرض، بشرط توفير مواقف مناسبة داخل الأرض أو في المبنى نفسه، كما نراه في دول كثيرة أكثر تطورا منا في نظمها العمرانية.
تيسير اشتراطات بناء الشقق من حيث المساحات الدنيا وعرض الشارع، دون مساس طبعا بشرط توفير مواقف كافية كما سبق ذكره، حتى لا تزدحم الشوارع بسيارات الساكنين.
تشجيع تطوير الأحياء ذات المباني القديمة.
تسهيل تعدد الأدوار، دون إخلال باشتراطات المواقف.
التوسع بقوة في شبكة النقل العام وربط المحافظات بشبكة نقل عام جيدة. لكن ترغيب الناس في استخدام النقل العام يتطلب بيئة مساعدة، مثل وجود أرصفة مشجعة لاستخدام المشاة، ليس فقط في الشوارع التجارية، بل حتى في داخل الأحياء.