الوضع المائي في المملكة «5» .. الطلب السكني والصناعي
بعد أن تحدثنا عن مصادر المياه في السعودية -وهي على الترتيب: المياه الجوفية الأحفورية، المياه الجوفية المتجددة، المياه السطحية، مياه البحر المعالجة وأخيرا مياه الصرف المعالجة-، نتحدث الآن عن أوجه صرف هذه المياه. تصرف هذه المياه محليا في أوجه طلب ثلاثة: الطلب الزراعي، الطلب الصناعي، والطلب السكني. عالميا يحتل الطلب الزراعي المقدمة بنسبة تبلغ 70 في المائة ثم الطلب الصناعي بنسبة 20 في المائة، وأخيرا الطلب السكني بنسبة 10 في المائة (إحصائية 2001). أما محليا فيوجه نحو 88 في المائة من الطلب المحلي للمياه والبالغ 22.8 مليار متر مكعب سنويا للاستهلاك الزراعي -أي ما يقارب 20.1 مليار متر مكعب- في هذا البلد الصحراوي في حين تذهب 10 في المائة أو 2.3 مليار متر مكعب للاستهلاك السكني أما الاستهلاك الصناعي فيستحوذ على نسبة 2 في المائة من مجمل المياه أو ما يعادل 0.45 مليار متر مكعب (وفق أرقام 2003).
سنتحدث هنا عن الجانبين الأخيرين ونترك الجانب الزراعي للمقال المقبل. الحديث عن أوجه صرف المياه ليس لهدف المعلومة البحتة ونشر الوعي فقط بل للمطالبة بالترشيد والتقليل من الهدر المائي الجائر. فالتقليل من استهلاك الماء في السعودية "زراعيا وصناعيا وسكنيا" هو الحل الأنجع للحفاظ على مصادر المياه. وبمكن أن يقرن بتطوير مصادر المياه المتجددة كما رأينا في المقالات السابقة لإنتاج حل مستدام ومتكامل للوضع المائي محليا. على الرغم من صغر حجم الاستهلاكين السكني والصناعي في السعودية مقارنة بالاستهلاك الزراعي، إلا إنه بالإمكان الترشيد فيهما والتقليل منهما للحفاظ على مصادر المياه الشحيحة أصلا. يتم ضخ ما يقارب 2.3 مليار متر مكعب من المياه يوميا للمدن والقرى السعودية من مصدرين رئيسين: 50 في المائة تقريبا (1.1 مليار) تأتي من مياه البحر المحلاة والبقية من المياه الجوفية (أرقام 2003). أي أن الفرد السعودي يستخدم للاستهلاك المنزلي ما يعادل 250 لترا من المياه يوميا تقريبا. مقارنة بما يستهلك الفرد الألماني 130 لترا في المنزل يوميا ويستهلك الفرد الدانماركي والنمساوي 192 لترا يوميا. وهنا يتضح بجلاء فرصة الترشيد والتقليل من الاستهلاك المنزلي محليا الذي يعد من الأعلى عالميا مقارنة بالدول التي تمتلك بنية تحتية جيدة.
ولمعرفة أوجه الترشيد، علينا أن نعرف أين يتم استهلاك هذا الماء بالتحديد. في الدول الغربية، تقدر الدراسات أن 35 في المائة من المياه في المنزل تذهب في الاستحمام ونحو 30 في المائة تذهب في أحواض الطرد flushing toilet و25 في المائة في الغسيل والتنظيف، أما البقية، أو 10 في المائة فتذهب للشرب والطبخ. هذه الأرقام هي نتاج دراسات ميدانية كالتي قام بها باحثون في أمريكا في عام 1999 وذلك بدراسة وقياس كل استخدام للماء في أكثر من 1000 منزل في 12 مدينة أمريكية. الدراسة خلصت إلى نتائج أبرزها أن أغلب الاستهلاك المنزلي -60 في المائة في المتوسط- يذهب في دورات المياه. أما الباقي فيذهب في الغسيل وأخيرا الطبخ. من هنا تبرز أهمية الترشيد خصوصا في دورات المياه، فاليابانيون قاموا مثلا بتقليص حجم طرادات المياه للتقليل من الماء المستخدم هناك والأستراليون أيضا على علم بكمية الماء المهدرة في دورات المياه وعليه فقد سنوا تحديد مدة الاستحمام بخمس دقائق. مدن ودول أخرى منعت غسيل السيارات أو ري الحدائق في أوقات وأيام معينة أيضا.
إضافة إلى الاستهلاك الشخصي المرتفع للفرد السعودي، هناك تحد آخر للمياه السكنية في السعودية وهو تسريب الشبكات، ويتضمن تسريب شبكات التوزيع في المدن والتسريب الداخلي في المنازل. يعد تسريب الشبكات التحدي الأكبر الذي يواجه إدارات المياه عالميا. تختلف النسبة من مكان لآخر بحسب قدم الشبكة وجودة وسرعة الصيانة. الدراسة الأمريكية التي أشرنا إليها سابقا أوضحت أن سدس كمية الماء في أمريكا -16 في المائة- يضيع من خلال التسريبات من الشبكة "تبلغ نسبة المياه المهدرة من خلال التسريبات في الشبكة 19 في المائة في بريطانيا و26 في المائة في فرنسا!". الدراسة أظهرت أيضا أهمية الكشف عن تسريبات شبكة المياه وإصلاحها ففي فرنسا مثلا يضيع إنتاج يومين من كل ثمانية أيام بسبب التسريبات محليا، تختلف هذه النسبة من تقرير إلى آخر ومن الصعب جدا معرفة الرقم الحقيقي (كسائر الأرقام الأخرى في المجال المائي عموما).
في الجانب الصناعي، يبدو الوضع أقل سوءا وذلك لأن الصناعات توجد في تجمعات قليلة وصغيرة الحجم -بعكس شبكات المياه السكنية الممتدة لمئات الكيلومترات- ولأن الصناعات الأساسية في المملكة صناعات بترولية وهي صناعات غير شرهة للماء بشكل كبير.
خلاصة القول إنه على الرغم من أن الاستهلاك السكني والصناعي يمثل نسبة قليلة من مجمل الاستهلاك العام للمياه (12 في المائة) وإن هذه النسبة ازدادت بشكل متوازن مع الزيادة السكانية، إلا أن من الممكن ترشيد هذا الاستهلاك. أولا يجب التقليل من متوسط الاستهلاك السكني السعودي الذي يعد مرتفعا مقارنة بعديد من الدول -الغنية مائيا- عبر التوعية أولا ثم رفع التعرفة ثانيا وهو ما اتخذته وزارة المياه والكهرباء أخيرا. ثانيا، يجب التقليل بشكل كبير وعاجل من تسريبات شبكات المياه. ثالثا، ينبغي تشجيع استخدام المياه المعالجة في الصناعة بدلا من المياه السطحية أو الجوفية.