«الحزب الإرهابي» .. ومعزوفة القصاص
اللبنانيون مغلوبون على أمرهم.. لا يجوز القصاص من اللبنانيين بسبب حزب الله.. هذا عقاب وتخل عن الشعب اللبناني.. ومعزوفة عبارات من هذا القبيل سمعتها وسمعتموها على مدى الأيام الماضية على أثر قطع السعودية مساعداتها للبنان واعتبار حزب الله حزبا إرهابيا ومنع مواطني الخليج من الذهاب إلى لبنان واتخاذ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي المواقف نفسها.
حسنا.. ودون لبس مسوح رسمي من قبلي: ماذا فعلت القوى السياسية والأحزاب والشخصيات المتنفذة في لبنان للسعودية ولدول الخليج على مدى السنوات الماضية ويد حزب الله تضغط على الزناد وتفجر في السعودية والكويت والبحرين واليمن، ناهيك عن وضع لبنان كله رهينة سلاحه وبلطجة لابسي قمصانه السوداء؟!
يخرج نصر الله، بمناسبة ودون مناسبة ليصب جام غضبه على السعودية ودول الخليج رادحا بمظلومية ناشزة تصر على أن إعلامنا الخليجي يهجوه وأن نشرات أخبارنا تلفق أكاذيب عليه وأن فكرنا متطرف.. أما آخر ما تفتق عنه هياج مظلوميته فهو أننا مسؤولون عن هزائم العرب ومآسيها من داحس والغبراء إلى ملاذه الأمني حتى اليوم تحت الأرض.
لم تتاجر السعودية ودول الخليج بقضية فلسطين كما تاجر وتفاجر ولم تزعم أنها ستتقدم الصفوف لكي تحررها.. دول الخليج فقط ظلت تبادر إلى تقديم أكثر مما يطلب منها من عون مادي أو سياسي.. وحين أحاق الخطر بضياع ما أنجز بعد مؤتمر مدريد من وجود للسلطة الفلسطينية معترف بها قدمت السعودية مبادرة مشهورة عرفت بمبادرة السلام العربية.. ولم تجازف ولا غيرها من دول الخليج بدفع وطن هو لبنان نحو الكارثة كما فعل حزب الله في مغامرته 2006 التي سماها نصرا إلهيا.. وهو قابع في قبوه فيما آلاف الناس الأبرياء يتساقطون والقرى والمدن والبنيات التحتية للبنان تنهار.. وأيضا تبادر السعودية ودول الخليج ببناء وتعويض آثار الكارثة.
ليس هجاء ما كان يقوله إعلام الخليج ومثقفوه.. إن كان نصر الله قد أحس بعرائه وعريه ولم يعد قادرا على أن يستر سوأته، فلن يفيده هذا الصراخ والهياج على فضائياته.. فالخليجيون والعرب كلهم ومعهم الإنسانية لم يذلوه حين وصموه وحزبه بالإرهاب.. وإذا كان قد عضه ذل هذا الوصم عليه بعار لا أحط منه ولا أشنع، فلأنه شخص كالذي عناه أبو الطيب المتنبي في قوله:
"ويكذب .. ما أذللته بهجائه
قد كان من قبل الهجاء.. ذليلا!"
وفائض الذل هذا تهيله عليه عمالته المفرطة لعدو وطنه "الذي كان" وأمته "التي كانت" وهما منه براء.
لقد أمسك الخليجيون عما سببه لهم من أذى على أراضيهم وفي اللسنات البذيئة منه.. كما تفهم الخليج بصبر أيوب رضوخ ساسة لبنان وزعمائه لغطرسات نصر الله وتلاعبه بإدارة الدولة في كل مفاصلها التشريعية والقضائية والتنفيذية.. وفي إملاءات المواقف بحسب ما تريده ولاية الفقيه الصفوي في إيران.
إن التلويح والتصريح الفاقع اللون والمعبر عن هذه الاستكانة السياسية بالقول إن لبنان مغلوب على أمره والتدثر بشبح طاولة الحوار الوطني اتقاء لاندلاع حرب أهلية في لبنان تدثر مبالغ فيه.. ليس لأن حماقات هذا الحزب الإرهابي قد لا تذهب في هذا الاتجاه الكارثي فقد كانت له أفعال ونذر عديدة، وإنما لأن الخليجيين لم يقولوا سوى عتب على تيبس وتخشب الأداء السياسي والفعل الرسمي، إزاء شكل الدولة بمجلس نواب لا يكاد يفتح إلا ويغلق، ورئيس دولة يضارب عليه على مزاج الكهنوت الإيراني.. وفيما قبلها ومعها في أثنائها وبعدها لا يكف سعد حداد الإيراني:حسن نصر الله
(مقال في 2015/6/16) عن ذلاقة لسانه في شتم الخليج حكومات وشعوبا في حين تعيث عصاباته وعصابات الحرس الثوري في بلدان العرب، ويظل حديث الساسة اللبنانيين مواربا وفي معظمه إما ممسكا عن قول الحق أو مداهنا.. وقد سئم أهل الخليج كما حكوماته هذه الحربائية وتلك الممالاة ليس لأنهم يريدونهم أن يكونوا سائرين في ركابهم، بل أن يصدوا هذا النعيق بحكمة طالما تطاوله ما لا يحتاج إلى برهان على بلوغه الدرك الأسفل من العداء والاستعداء، فاق حتى إيران نفسها وحرجها إزاء العمل الإجرامي في إحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد فتمتمت بكلمات "تقيوية" مستنكرة الجريمة، في حين فرض سعد حداد الإيراني على الدولة اللبنانية بقضها وقضيضها لزوم سياسة النأي بالنفس صمتا أو تعتعات مخجلة، فيما لم ينأ هذا الحزب الإرهابي بنفسه عن جر لبنان من كل جوارحه إلى سفح دماء الشعب السوري علاوة على جرائمه في لبنان بقتل واغتيال مفكريه وساسته وإعلامييه ونشر إرهابه في بلدان العرب وحتى أمريكا اللاتينية.
لكن معظم ساسة وزعماء لبنان أكل القط لسانهم فكيف فجأة يعلو الحديث في تبرير هو أسوأ من الصمت والقول إن ذلك يعد قصاصا من لبنان واللبنانيين في محاولة لابتزاز مشاعر شعبية كانت قد صرخت فيهم "طلعت ريحتكن".
ولو افترضنا صحة القصاص جدلا.. فلن يكون معنى هذا سوى.. أن على الخليجيين أن يقبلوا بقصاص حسن نصر الله وحزبه وأن يرضخ الخليج للتدخل الإيراني في شؤونهم وشؤون العرب.. فالمسألة ليست قصاصا ولا قصاصا متبادلا.. وإنما لا سبيل للدول أن تكون جمعيات خيرية، قد لا تنتظر الشكر والتقدير، لكنها حتما لا ترضى إزاء افتراءات حزب الله وإرهابه أن يكون الموقف منه وكأنه على تخوم: لم أأمر بها.. ولم تسؤني!