مبادرة الأمن العام .. وانطلاقة العمل القانوني

تحدثنا في مقالات سابقة عن دور الإدارة القانونية، وأنها من الركائز الأساسية لعمل الجهات في القطاعين العام والخاص، وأن أعمال هذه الجهات وإجراءاتها تتطلب وجود إدارة أو وحدة قانونية تضم كوادر قانونية مؤهلة، ولديها الخبرة لتسيير أعمالها بكل مهنية، وتطبيق الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بكل شفافية ونزاهة بما يحقق أهداف الجهة، ويكفل قيامها بتنفيذ المهام المنوطة بها بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية.
كما تحدثنا في المقال السابق عن اهتمام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالعمل القانوني منذ تأسيسها، وما أثمر عنه من تحقيق جملة من الفوائد، منها صدور منظومة متكاملة وحديثة من الأنظمة واللوائح للسياحة والتراث الوطني، وضمان إبرام عقود واتفاقيات سليمة وصحيحة الأركان، وصدور قرارات منتجة وسليمة من الملاحظات النظامية، والنظر في التظلمات والشكاوى والفصل فيها بحيادية وشفافية، إضافة إلى خلو سجل الهيئة من أي خسارة في ملف الدعاوى أمام الجهات القضائية.
واليوم سنخصص الحديث في هذا المقال عن مبادرة متميزة للأمن العام تحققت بفضل الاهتمام بالعمل القانوني وتفعيل دور الإدارة القانونية وتمكينها من القيام بمهامها المنوطة بها، وتتمثل هذه المبادرة التي أطلقها الأمن العام في ملتقى الإدارات القانونية الأول على مستوى وزارة الداخلية بمختلف قطاعاتها، وقد حضرت شخصيا هذا الملتقى الذي عقد يومي 12 و13/8/1437هـ، واستمعت إلى كلمة الفريق عثمان المحرج مدير الأمن العام خلال افتتاحه، وأشار إلى أن هذا الملتقى حظي بموافقة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، مع التوجيه برفع ما يتم الوصول إليه من نتائج وتوصيات، وبين أن نظام المملكة يتيح لكل مواطن التقاضي وإقامة الدعاوى حتى على الجهات الأمنية، وهذا حق يكفله النظام في المملكة، والفيصل في ذلك هي الجهات العدلية، وهناك 24 تليفون رد آلي يستقبل الشكاوى على مدار الساعة، وأوضح أن الملتقى يهدف إلى استفادة منسوبي الإدارات القانونية من توصياته، وأن هذه الإدارات تمثل قطاع الأمن العام في الترافع أمام جهات التقاضي، وتمثل وجهة نظر القطاع وتقديم ما لديه للجهات العدلية.
كما أكد محمد المطيري مدير عام الشؤون القانونية والتعاون الدولي في وزارة الداخلية، أهمية هذا الملتقى القانوني والاستفادة من توصياته في تفعيل الدور القانوني وتعزيز الدور الوقائي ورفع مستوى الوعي القانوني، كما أوضح اللواء سعود الطريفي مدير عام الإدارة القانونية في الأمن العام، أن الاهتمام بالإدارات القانونية أصبح ضرورة ملحة حتى تتمكن من ممارسة أدوارها ومسؤولياتها تجاه المجتمع وحقوق العاملين وفق الأنظمة واللوائح، من خلال إجراءات شكلية وموضوعية دقيقة؛ لتستطيع أن تقف قوية راسخة، وبين أن الإدارة القانونية في الأمن العام خطت خطوات تطويرية مهمة في السنوات القليلة الماضية بدعم واهتمام مدير الأمن العام من خلال رفع مستواها التنظيمي، وفتح فروع لها في أغلب مناطق المملكة ودعمها بما تيسر من الكوادر المؤهلة.
وعرض الدكتور سعد الديحاني، الشخصية القانونية على المستوى الوطني عموما والقطاع الأمني خصوصا، خلال الملتقى مشروع تطوير الإدارات القانونية الذي يهدف إلى الكفاءة والفاعلية، وتتمركز منهجيته في ثلاثة عوامل هي: العاملون والتجهيزات والإجراءات، ويتكون مشروع التطوير من ثلاثة مشروعات هي، المستشار القانوني الإلكتروني؛ ويختص بإدارة البيانات والقضايا والعمل، ومشروع الدبلوم العالي للمحاماة لممثلي القطاعات العسكرية؛ ويهتم بإعداد الكفاءات المؤهلة في هذا المجال والمساهمة في نشر الوعي النظامي، ويستهدف هذا البرنامج ممثلي القطاعات العسكرية بمختلف جهاتها. والمشروع الثالث هو تطبيق دليل المترافع، ويحتوي على أنظمة مرتبة بحسب التصنيف الموضوعي. وتلا ذلك عروض متميزة قدمها كوكبة من القانونيين من مختلف قطاعات وزارة الداخلية.
وأخيرا بقي أن نقول: إن هناك تفاؤلا كبيرا في ملف التنمية القانونية، مصدره أولا: ما ورد في رؤية المملكة لعام 2030 من اهتمام كبير بالجانب القانوني، وما تضمنته من برنامج خاص بمراجعة الأنظمة وتطويرها. وثانيا: تزايد الاهتمام بالعمل القانوني في عدد كبير من الجهات والمنظمات العامة والخاصة. ونأمل أن نرى الاهتمام بالإدارات القانونية يتزايد ليشمل جميع الجهات في القطاعين العام والخاص، ويتم توفير ما تحتاج إليه من كفاءات قانونية وشرعية وموارد مالية، ويتحقق تمكينها من تنفيذ المهام المنوطة بها لتحقق الأهداف المؤمل منها بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية، ونلمس أثرها في نشر الوعي القانوني وتطبيق النظام دون مواربة، وإنصاف أصحاب الشكاوى والتظلمات، والحد من اللجوء للتقاضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي