الصناديق الاستثمارية المتداولة .. والفرص الاستثمارية الآمنة

أعلنت هيئة السوق المالية للعموم مسودة لمشروع التعليمات الخاصة بصناديق الاستثمار العقارية المتداولة، وهذا النوع من الصناديق هو مقارب لنموذج ما يسمى عالميا Real Estate Investment Traded Funds وهو أحد نماذج ما يسمى REIT Real Estate Investment Trust وهذه الصناديق بدأت في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي، وبدأت تتوسع في الولايات المتحدة ولاحقا في أوروبا وكندا، ولكن بدأت تنتشر بصورة أكبر في أوروبا وفي دول كثيرة في العالم، خصوصا في آسيا وفي اليابان تحديدا مع بداية القرن الحالي، وهذه الصناديق منها ما يستثمر في أصول عقارية ريعية تدر دخلا سنويا للصندوق، ومنها ما يستثمر في الرهن العقاري من خلال التمويل أو شراء مديونيات، ومنها ما يجمع بين النشاطين، وقد يكون لهذه الصناديق مدد محددة، حيث إنها تشتري أصولا وتستفيد من ريعها، ومن ثم تبيع هذه الأصول وتعيد الأموال للمشتركين، ومن الممكن أن تبدأ في شراء أصول جديدة لاستثمارها.
في إطار سياسة هيئة السوق المالية في التوسع في المنتجات والفرص خصوصا مع الاتجاه العام في المملكة إلى توسيع فرص الاستثمار سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي وإتاحة فرص استثمارية أكبر للمواطنين الأفراد لاستثمار أموالهم في أدوات أكثر أمنا، وذات دخل شبه ثابت ويمكنهم من الاستثمار في أصول عقارية تدار بشكل جيد وتدر دخلا مناسبا برأسمال محدود، وهذا مما تفتقده السوق المالية حاليا.
الحقيقة أن النظام بالمسودة المنشورة جاء مفصلا وشاملا ودقيقا وتميز بتنظيم العلاقة في طرح هذه الصناديق ليمنحها شفافية أكبر، ويحد من تعارض المصالح، إضافة إلى تفاصيل دقيقة فيما يتعلق بالإفصاح في هذه الأطروحات، كما أن المسودة تتيح فرصة أكبر للأفراد للمشاركة في هذه الصناديق من خلال اشتراط نسبة مشاركة من الجمهور تبلغ 50 في المائة على الأقل، إضافة إلى تجزئة وحدات الصندوق إلى عشرة ريالات، وهذه من الإجراءات التي قد تعزز من فرص الأفراد للاشتراك في تلك الصناديق، خصوصا عندما تكون متداولة بشكل يومي كالأسهم أو بأسلوب مقارب فإن ذلك قد ييسر من شراء وبيع تلك الوحدات ويجعل السوق مقيمة أكثر دقة للسعر المناسب من خلال العرض والطلب. من ميزات الصندوق أنه جعل لمسألة الاستثمار ضوابط، حيث لا يتم التغيير في سياسة الاستثمار، بل حدد النظام نوع الاستثمار، حيث يحمي المساهمين من المخاطرة بأموالهم بصورة قد تضر بهم، خصوصا الأفراد الذين يرغبون في نمط محدد من الاستثمار.
ولكن هناك بعض الأمور التي يمكن النظر إليها بما يحقق مصلحة أكبر للصندوق، من ذلك مسألة النسبة التي يحق لمدير الصندوق استثمارها في أصول خارج المملكة؛ إذ حدد النظام ذلك بما لا يزيد على نسبة 25 في المائة، وهذه النسبة، وإن كانت تهدف إلى تعزيز أكبر للنشاط الاقتصادي في المملكة، إلا أنها قد تحد من دخول أكبر للصناديق الأجنبية التي ترغب في طرح بعض الصناديق أو جزء منها في المملكة، كما أنها قد تحد من فرص المستثمرين في اقتناص فرص استثمارية خارج المملكة ولو تمت زيادة هذه النسبة بين 40 و50 في المائة لعزز ذلك من فرص المستثمرين، إضافة إلى أنها تحد من تضخم أسعار الأصول القابلة لأن تكون هدفا لمثل هذا النوع من الاستثمار، خصوصا مع حديث بعض المختصين أن أسعار الأصول العقارية في المملكة قد تضخمت كثيرا.
من المقترحات أيضا توضيح مسألة استثمار فوائض الصندوق في أدوات منخفضة المخاطر مثل المرابحة، حيث إن الصندوق قد يمر بفترات قد يكون لديه سيولة نقدية سواء خلال فترة جمع أموال المشتركين وقبل إتمام صفقات شراء الأصول العقارية أو خلال فترة تسلم العوائد قبل توزيعها، ومن المقترح أن يكون لها تنظيم، حيث تكون هذه الاستثمارات في أدوات مالية منخفضة المخاطر أقل من 50 في المائة، على ألا يكون ذلك بصفة دائمة بل لفترة مؤقتة إلى حين توزيع الأرباح أو إتمام شراء الأصول العقارية، وذلك لتعظيم فرص الربح للمشتركين والاستفادة من موجودات الصندوق بالصورة الأمثل.
فالخلاصة أن الإعلان عن تنظيم الصناديق الاستثمارية المتداولة يعد إضافة مهمة للسوق المالية السعودية، سواء في توظيف أموال المستثمرين الأفراد أو في الانفتاح بصورة أكبر على الاستثمارات الأجنبية في إطار "رؤية السعودية 2030"، وقد جاء النظام مفصلا بصورة تنظم العلاقة بين جميع الأطراف وتعزز من الشفافية وتحد من تعارض المصالح، وتتيح فرصة أكبر للأفراد للاستثمار، ومن المقترح أن تزيد النسبة المخصصة لاستثمار الصندوق في أصول خارج المملكة، وأن يوضح النظام آلية الاستثمار بصورة مؤقتة في أدوات مالية منخفضة المخاطر مثل المرابحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي