قراءة في التحالفات الإقليمية الجديدة: ظرفية أم براجماتية؟
بدت التحالفات الإقليمية الجديدة في المنطقة كفعل مسرحي مثير. لكنها مثلت ولا شك درسا حيا للسياسة الواقعية. قبيل الانقلاب التركي الفاشل كان التحالف التركي والقطري والسعودي واضحا ومعبرا عن المصلحة المتمثلة أوليا في الاقتصاد. وذلك من أجل ممر الغاز الذي كان سينشأ من قطر عبر الأردن وسورية ثم تركيا. كانت تركيا تأمل منافسة روسيا على تمرير الغاز إلى أوروبا بأقل تكلفة ووقت. أما الآن فهناك ممر جديد منافس يجري إنشاؤه لتمرير الغاز والتجارة من آسيا عبر إيران وبحر قزوين وأذربيجان إلى روسيا ومن ثم إلى أوروبا؛ والأخيرة أولوية تركيا. كما من ناحية أخرى، فإن مصلحة تركيا الحالية أن تتصالح مع إيران بسبب الملف السوري المهدد للأمن القومي التركي، وبالطبع خشية إقامة دولة كردية تتورط فيها الدول الثلاث وأكثر كالعراق. لذا فزيارة أردوغان القصيرة إلى روسيا أعادت موضعة أمور عدة. تلا ذلك زيارات متبادلة بين وزراء خارجية كل من إيران وتركيا أطلقت بعدها تصريحات الود الثنائية، ونية العمل على إيجاد تسوية سياسية تنهي أزمة سورية. وهذا الأمر يشير بأن كلا البلدين باتا على قناعة بأن الجميع في مركب واحد على الرغم من الاختلافات الجذرية في المواقف. لذا رأوا ضرورة إطلاق سيناريو يختتم هذه الحرب مهما كان الثمن. نرى ذلك ونعرف تأثير الشكل الانهزامي الذي بدت عليه إيران ومليشياتها سلفا في معارك سورية، وهو الفشل الذي كان لتركيا يد فيه وإن بشكل غير مباشر، حتى اتهمت تركيا بدعم داعش وجبهة النصرة.
أما التحالف الروسي - الإيراني الأساس فهو تحالف سياسي براجماتي. وإيران تشعر بالعرفان لتاريخ السوفيات معها، هم الذين زودوها بالسلاح عندما كانت في أمس الحاجة إليه حين تورطت في حرب ثماني سنوات عجاف مع العراق، أمام دعم الغرب والمنطقة لصدام حسين. إضافة لذلك، فنهج الدبلوماسية الروسية متسق، ما يدعم ثقة التعامل معها. لكن في عالم السياسة لا صديق مستمر ولا عدو دائم، فالتحالفات تبنى في الأساس على مصالح سياسية واقتصادية بحتة. وكأي تحالف دولي، قد يحدث أن تتباعد مصالح البلدين في مرحلة ما عندما تتغير تلك المعطيات. إيران تستنفد الكثير من طاقتها لا سيما العسكرية، ومشروعها التوسعي للهيمنة مهددا بالتقويض أكثر من أي وقت مضى. وما يمكن تسميته بالتفاهمات، وليس التحالف الفعلي، بين روسيا وتركيا وإيران هو أكبر من تقارب اقتصادي وأقل من تحالف سياسي/ ظرفي. وهذا في النهاية قد يعني التنازلات والتضحية بالأطراف محل الصراع الحالي كالمعارضة السورية ونظام الأسد والأكراد. أما تركيا الآن فهي في حالة اندفاع صاخب وفي سباق مع الوقت وتصويب المسارات، حتى وصلت إلى إطلاق التصريحات أخيرا للتقارب مع مصر بعد التطبيع إسرائيل. وهي بذلك وكأنها تمارس سياسة حافة الهاوية، من أجل تجميع كروت ضغط رابحة تواجه بها المواقف الأمريكية والأوروبية الأخيرة، تلك التي أتى بها الانقلاب الفاشل. من ذلك تسليم جولن لتركيا، وقضية اللاجئين، وبلا شك انضمامها للاتحاد الأوروبي. خاصة أنه لم تعد أمريكا بالنسبة لتركيا مأمونة الجانب.
لا شك أن سورية معركة استنزاف لكل اللاعبين فيها، لا سيما أمام التنوع الإثني والطائفي لتلك الدول. وبدا أن الولايات المتحدة سعت حرفيا لإغراق هؤلاء اللاعبين مع إدارة الصراع من الأعلى، وتشكيل الأحداث وتوجيهها دون الغرق في الوحل. ويمكننا الآن القول بأن كلا من الثلاثي؛ روسيا وتركيا وإيران، متورطون في الوحل السوري بطريقة أو بأخرى، وثمن ذلك لا يحتمل لزمن طويل أمام حالة التنافس المحموم. لذا فالتقارب الحالي يتطلب تجميد الخلافات وإيجاد نقاط الالتقاء. فعندما تتعقد القضايا، تتقاطع المصالح أو تتنافر.