رغم التحديات .. موازنة للنمو

تأتي الميزانية العامة الجديدة للسعودية، ضمن إطار الحرص على النمو ومواصلة التنمية المستدامة المنشودة، والحفاظ على أدوات "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. وفي الوقت نفسه، التعاطي مع المعطيات الراهنة سواء محليا أو عالميا برؤية مفتوحة لكل الاتجاهات، خصوصا أن الاقتصاد العالمي نفسه يعاني من اضطرابات شديدة، فيما لا يزال القرار الدولي مهزوزا في هذا المجال. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كان واضحا، عندما أكد للشعب السعودي متانة اقتصاد البلاد، وأنه يمتلك قوة كافية لمواجهة أي تحديات اقتصادية ومالية، وكل ذلك، لأن السياسات التي اتبعتها السعودية في الأشهر الماضية أظهرت ليست فقط استدامة في مسيرة التنمية، بل تجدد أدواتها وفق المعايير الوطنية الخالصة.
ومن هنا، جاءت الميزانية السعودية مكتملة الأركان. بمعنى، أنها واصلت العمل بترشيد الإنفاق الحكومي، وتفعيل أكثر للإصلاحات على الساحة المحلية، وكذلك رفع من مستوى الإنفاق الذاهب إلى التنمية. أي أن ترشيد الإنفاق لم يقف عقبة أمام النمو؛ ولهذا تضمنت زيادة 6 في المائة بالإنفاق استهدافا للنمو، وهذا الأخير مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، كي يتواءم مع معايير وأسس "رؤية المملكة 2030"، وهي الرؤية التي تشكل في الواقع الاقتصاد الوطني السعودي الجديد، الذي يعتمد على موارد جديدة، وكذلك تجديد الموارد الموجودة أصلا، ومن هنا، فإن التركيز على تنويع مصادر الدخل أخذ حيزا كبيرا في كل المخططات الاقتصادية المحلية، بما في ذلك الموازنات العامة التي يتم وضعها سنويا.
أخذت الميزانية الجديدة، كما كان متوقعا في الاعتبار الدعم الضروري للقطاع الخاص، فهذا الأخير يعتبر إحدى القواعد الرئيسة في التنمية المستدامة، فضلا عن دوره في تعزيز تنويع مصادر الدخل، سواء بالشراكات الاقتصادية الناجحة مع القطاع العام، أو عن طريق دوره المباشر في الاستثمار بقطاعات مختلفة، خصوصا بعد سلسلة من القوانين المرنة والميسرة على صعيد الاستثمار بشكل عام، سواء المحلي أو الاستثمارات الأجنبية الآتية من الخارج. وفي العامين الماضيين، بات واضحا أن أي مخطط يشتمل على تنمية أكثر استدامة واستراتيجية، لا بد أن يكون متصلا بالقطاع الخاص، ولا سيما في ظل البرامج المزمعة للخصخصة على الساحة المحلية في مختلف القطاعات.
رفعت المملكة في الميزانية الجديدة الإنفاق في العام المقبل إلى 890 مليار ريال، بزيادة تبلغ 6 في المائة عما كان عليه في ميزانية العام الجاري. بينما تصل قيمة الإيرادات المتوقعة للعام المقبل 692 مليار ريال، بارتفاع 31 في المائة عن الإيرادات المحققة فعلا في عام 2016. وهذا أيضا يمثل نقلة نوعية بعد موجة من تراجع الإيرادات بفعل الهبوط الهائل لأسعار النفط على مدى أكثر من عامين. وفي كل الأحوال، ستسجل الميزانية العامة عجزا يبلغ 198 مليار ريال، وذلك أقل من العجز المسجل في عام 2016، وهذا يعني أن المملكة يمكنها في الأعوام المتبقية من العقد الجاري، أن تقترب من التوازن، ولا سيما بعد أن تكتمل أسس الحراك الاقتصادي الجديد، وتتفتح آفاق أخرى متنوعة.
الميزانية الجديدة تستهدف النمو بالدرجة الأولى، وبعيدا عن أي اعتبارات، لأنه الوسيلة الوحيدة القادرة على احتضان معايير وحراك "رؤية المملكة 2030". ولن تتوقف السعودية عن دعم النمو بصرف النظر عن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها ويمر بها العالم أيضا، فقد أثبتت التحولات التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية، أن المنهج الاقتصادي السعودي تغير بصورة كبيرة، وأن المستجدات الراهنة على الساحة الاقتصادية، يمكن احتواؤها بأعلى درجة من الجودة، مع وجود رؤية تحاكي المستقبل، وتواجه أي طارئ قد يظهر هنا أو هناك.
الميزانية العامة السعودية، هي ميزانية النمو بامتياز، وهذا يضيف مزيدا من القوة للاقتصاد الوطني، لأن النمو المستهدف يأتي في وقت تركز فيه الدول عادة على الإصلاح والتقشف، عندما تواجه أزمات اقتصادية. المملكة أصرت على النمو المرتفع في زمن الإصلاح الاقتصادي، لبناء اقتصاد وطني جديد حقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي