بعد الانتقال
تحدثت أمس عن الإشكالية التي تعانيها كثير من الجهات الحكومية، سواء كانت من صنعها أو من صنع البيئة الإدارية التي تبني على الكم وليس النوع. تلكم القضية لا تزال منتشرة بكثرة في سوق العمل السعودي. كثير من القطاعات تقدم للسوق مخرجات غير مؤهلة للعمل بسبب استقبال أعداد كبيرة من المتقدمين دون وجود برامج تأهيلية ذات كفاءة عالية تخدم حاجة السوق الفعلية.
هذه الحالة التي انتشرت في السوق السعودية تسببت في توازن غير منطقي في سوق العمل، حيث نستقدم من تخصصات معينة أعدادا كبيرة، وتبقى جامعاتنا وكلياتنا التقنية بعيدة عن المشاركة بمخرجات تنافس الكفاءة التي نجدها في القادمين من الخارج برغم وجود برامج تنافسية وتقويم عالمي عال لبعض الجامعات.
وللحق أقول إن القطاعات المستفيدة من هذه المخرجات مسؤولة بالقدر نفسه عن تأهيل الكوادر التي تستقطبها من خريجي الجامعات بالمستوى الذي يجعلها تنافس في المستقبل، وتحقق كم الخبرة والكفاءة اللازمين للتفاعل مع احتياجات الاقتصاد الملحة.
نظرة تحققها بعض الشركات الكبرى المملوكة للدولة فقط، وتسهم بجزء منها بعض المؤسسات ذات الاهتمام بتوطين الوظائف التقنية في المملكة بشكل عام. لكنها ليست منتشرة بالشكل المأمول، تجد أن كثيرا من البرامج التأهيلية والتطويرية بعد البكالوريوس توجه بشكل غير جاد، ودون تكوين مسارات وظيفية تناسب الحاصلين على التأهيل العالي في المجال التقني، حيث يتحول أغلبهم إلى العمل الإداري المكدس أصلا، ما يزيد الإشكاليات، ويدفع نحو مزيد من الترهل وسوء الإدارة.
كل هذا قرأته في حديث نقله لي زميل يعمل في إحدى الوزارات التي انتقلت حديثا لمبان جديدة، لكنها لم تفكر في إخلاء المباني السابقة التي ما زال فيها بعض الأنشطة التي هي من قبيل ما ذكرت سابقا هنا وفي مقالي السابق. أعمال إدارية كان يمكن الاستغناء عنها لو أن القطاعات استخدمت جزئية بسيطة من حسابات التكاليف وإعادة هندسة العمليات، وأدخلت عناصر الحاسب الآلي في تعاملاتها لتضمن تقليص تأثير العنصر البشري خصوصا في الأعمال الإدارية.
بعد الانتقال يجب أن يقرر المسؤول الأول في القطاع أن يلغي جميع المكاتب القديمة، وينهي علاقتها بالعمل، وإلا فإن الأثر النهائي سيكون مزيجا من التباطؤ والتأخير والبيروقراطية السلبية التي تسيء للقطاع وتعيق حركته.