حتى «بياع» استكثروها
أتذكر عندما أعدت قراءة أول مقال كتبته في هذه الصحيفة وكان عن الصيدلة بعد عدة سنوات من نشره لم يعجبني أسلوبي أحسست حينها أنني أصرخ وتمنيت أني أعدت صياغته ليبدو أجمل وألطف. أما اليوم وبعد الجدل الحاصل والأخبار المتناقلة حول مهنة الصيدلة أجدني فعلا أريد أن أصرخ وبأعلى صوتي وأن أستعيد مقالي البكر وأقول ليت الحال بقي على ما هو عليه ولم نصح على مانشيتات بالخط العريض تقرر إلغاء شهادة الصيدلي في سبيل التوطين؟ وآخر يريد الصيدلة الآلية متجاهلا أن الصيدلي ليس مجرد يدين تحمل الدواء من الرف إلى يد المريض (بياع باختصار) حتى هذه يريدون أن يسلبوها منه!
يريدون وأد مهنة الصيدلة بعد أن شبت عن الطوق، وبعد أن ملأ أبناؤها الأرض، وبعد أن كثرت وتنامت إنجازاتهم، وبعد أن أصبح الصيدلي جزءا لا يتجزأ من المنظومة الصحية والملجأ والملاذ الأسهل والأقرب للمريض ولجميع أفراد المجتمع خصوصا أنه لا يدفع ليقابله!
حاجة الفرد لعلمنا لاستشارتنا لتوجيهاتنا وليس لحبة الدواء التي نناولها له، هي ما دفعت الغالبية العظمى من الصيادلة لتطوير أنفسهم والبحث عن الجديد، والدليل ان مهنة الصيدلة من أكثر المهن تنوعا وثراء. الصيدلي جوكر المهن الطبية حتى لو كان هذا الكلام يغضب البعض. كنا نتحدث قبل أسابيع في رحاب جامعة الملك سعود، الجامعة الأم وحاضنة أول كلية صيدلة سعودية، عن دور صيدليات المجتمع أو الصيدليات التجارية ورغبتنا في أن نعزز دورها وتتحول فعليا وليس ضمنيا إلى مراكز رعاية أولية، بينما أصحاب القرار يعتقدون أن الآلة وأي شخص غير مؤهل قادر على أن يحل محل الصيدلي بدل أن يقدموا لهم الإغراءات والحوافز لنرى شباب وبنات الوطن يزينون صيدليات المجتمع اختاروا الحل الأسهل! قبل أن تفكر في التحول للصرف الآلي أين قاعدة البيانات الصحية المربوطة بالسجل الوطني أو الإقامة هذا إذا سلمنا أن هذا سيحل كل مشكلات الدواء وصرف الدواء ومعاناة المرضى، كنا نحلم بإلغاء ذلك الشباك الصغير في المستشفيات والحاجز المادي والمعنوي بين المريض والصيدلي ونراهم اليوم يريدون أن يلغوا الصيدلي بشباكه!
لسنا ضد الماكينة التي ستسهل عمل الصيدلي ولكننا ضد الإجحاف، لن أتكلم عن المهنة وأهميتها فأنا بذلك أظلمها وأسيء إليها من حيث أريد الإحسان. يقولون إنها مجرد تجربه! وتم نفي ما تناقلته وسائل الإعلام من قبل بعض المسؤولين وعلى رأسهم وزير الصحة ومستشار وزير العمل الذي وجدنا في تغريداته تناقضا بين ما فعله وبين رده على غضبة الصيادلة!
لهم نقول: ليس هناك دخان من غير نار، أين سنذهب بخريجينا العاطلين وطلابنا الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة يحدوهم الأمل بمستقبل مشرق ماذا عسانا نقول لهم؟!