المصارف العالمية وعدم الثقة بالاقتصاد الإيراني
لا تزال الأمور غير واضحة على صعيد عودة إيران إلى الحراك الاقتصادي الطبيعي، بعد أشهر من رفع العقوبات الدولية عنها، وفق الاتفاق النووي المعروف. وزادت الأمور غموضا مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذي لم يخف معارضته، بل هجومه على الاتفاق الغربي - الإيراني، بحيث يعتبره تهديدا للأمن القومي الأمريكي. وهذا في الواقع موقف الغالبية العظمى من السياسيين الجمهوريين في الولايات المتحدة، بمن فيهم المعتدلون، فضلا عن معارضة مستترة لسياسيين ديمقراطيين لهذا الاتفاق، التي بدأت تظهر شيئا فشيئاً مع خروج باراك أوباما من البيت الأبيض إلى الأبد. ورغم أن بعض المؤسسات الاقتصادية الأوروبية أبدت رغبات في الاستثمار في إيران، بما فيها النفطية وتلك المرتبطة بصناعة الطيران وغير ذلك. إلا أن المسألة لا تسير كما يشتهي النظام الإيراني.
الولايات المتحدة أعلنت في كل المناسبات، أنها لن تلاحق أي مؤسسة أو شركة تتعاطى مع إيران، في حال عدم خرق أي قواعد للعقوبات. غير أن مثل هذا الإعلان المتكرر، لم يطمئن المؤسسات، خصوصا مع وجود ثغرات لا تحصى يمكن أن تخترقها السلطات الأمريكية، إذا ما أرادت أن تعاقب هذه الشركة أو تلك. وفي الواقع، لا تزال مؤسسات ومصارف وشركات كبرى، تعاني ماليا الغرامات التي فرضتها واشنطن عليها بسبب التعامل مع إيران قبل الاتفاق النووي، بعضها وصل إلى ما فوق عشرة مليارات دولار. ووسط هذا الغموض أو الخوف، لم تستفد إيران من الجانب المالي للاتفاق النووي، لأن المصارف الكبرى لا تزال مترددة بل رافضة تمويل أي مشاريع إيرانية، بما فيها تلك التي تعتبر مشاريع ذات جدوى مؤكدة.
المشكلة ليست في التمويل بل في تداخل الاقتصاد الإيراني بصورة لا يمكن فصلها عن نشاطات نظام علي خامنئي الإرهابية، وتدخلاته الفاضحة التخريبية في هذا البلد أو ذلك. وهنا يكمن التردد المصرفي العالمي في التعاطي مع إيران، خصوصا إذا ما عرفنا أن منظمة إرهابية مثل الحرس الثوري الإيراني تسيطر وحدها على أكثر من ثلث الاقتصاد الوطني في البلاد، وعلينا أن نتخيل القطاعات التي تتورط فيها هذه المنظمة الإرهابية الموجودة أساسا في مهجر كل الحكومات الغربية، بما فيها الأوروبية التي تعتبر أقل حذرا في التعامل مع إيران من الناحية الاقتصادية. وعلى هذا الأساس، لم يكن غريبا أن يتهاوى الريال الإيراني وأن يخسر ما يزيد على 19 في المائة من قيمته في ستة أشهر فقط، علما بأنه كان من المفترض أن يحقق مكاسب كبيرة في أعقاب الاتفاقات المبدئية التي أبرمتها إيران مع شركات أوروبية كبرى، بما فيها شراء أكثر من 100 طائرة من طراز إيرباص. واستثمارات في بعض الحقول النفطية الإيرانية. ليس هناك مؤشر واضح وإيجابي بالنسبة للاقتصاد الإيراني، لأن الانفتاح الاقتصادي الذي روج له الرئيس حسن روحاني، يصطدم بحقائق على الأرض، في مقدمتها بالطبع السمعة الإيرانية الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن سمعتها على صعيد الإرهاب، باعتبارها أكثر البلدان المولدة للإرهاب في المنطقة والعالم.
المشكلة الرئيسة ليس فقط في هذه الحقائق، بل لأن المصارف ومؤسسات التمويل المالية ترفض بشدة العودة إلى إيران، ليس فقط خوفا من عقوبات وغرامات على أي مخالفة محتملة، بل أيضا لعدم وضوح الرؤية في الاستثمار في هذا البلد. وما لم توجد مصارف مستعدة للتمويل المفتوح والمدروس، فإن الوضع الاقتصادي الإيراني سيظل على حاله، وإن تحسن بعض الشيء في هذا القطاع أو ذاك.