حماية الشرائح الاجتماعية حماية لـ «رؤية 2030»
تأكيدا لما سبقت الإشارة إليه في المقال الأخير "الإصلاح المالي والاقتصادي من 2017 - 2020"، وضرورة إثرائه بالبحث والنقاش من قبل المختصين كافة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أنّ سياسات وبرامج الإصلاح الأخيرة قد تعهدت بضمان حماية أصحاب الدخل المحدود والمتوسط الأدنى من الآثار المحتملة لارتفاع تكلفة المعيشة المترتبة على تنفيذ تلك السياسات، وتجنيب شرائح السكان المستحقة للدعم أية صدمات تضخمية محتملة. وبناء عليه؛ تم اتخاذ خيار الاعتماد على الحساب الموحد لكل مواطن، الذي سيتم التعرّف من خلاله على الدخل الشهري لكل ربّ أسرة، ومن ثم يتحدد مستوى الدخل أو الأجر وفقا لسلّم ترتيب متوسطات دخل الأسر المحدد.
يحتل الاهتمام بتحقيق هذه الحماية الأولوية القصوى للقائمين على تنفيذ سياسات وبرامج الإصلاح الراهنة، ويجب أن تحظى فعلا بهذه الأولوية القصوى لعددٍ من الأسباب البالغة الأهمية، لعل من أبرزها وأهمها على الإطلاق؛ أنّ تحققها بالدرجة المأمولة والمستهدفة، سيكفل أعلى درجات الموثوقية في تحقق أهداف "الرؤية 2030" و"التحول الوطني 2020"، وما تمثّله من دعامة أساسية ومتينة جدا، ستسهم بدرجة عالية في ترجمة تلك السياسات والبرامج إلى واقع حقيقي للاقتصاد الوطني والمجتمع، وعدا أنّ مثل هذه الحماية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة لما يُشكّل أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع، ستجنّبهم أكبر قدر ممكن من الآثار السلبية المحتملة على تكلفة المعيشة بصورة مباشرة وغير مباشرة، فإنّها بدرجة أهم بكثير؛ ستسهم تلك الشرائح من المجتمع التي تمثّل النسبة الأكبر في ظل هذه المزايا التحفيزية في دعم سياسات وبرامج الإصلاح، وستتحول مرحليا مع ملامستها الفعلية لإيجابيات الإصلاح، إلى أهم وأقوى داعم لها دون أدنى شكّ. إننا بضمان حماية تلك الشرائح الأكبر من المجتمع، سنضمن أيضا بمشيئة الله تعالى توفير الحماية الكافية واللازمة، للمكتسبات المأمول تحقيقها من برامج الإصلاح الشامل لاقتصادنا الوطني.
في الوقت ذاته، وفي السياق ذاته؛ لا شكّ أننا نخشى جميعا من حدوث أية نتائج عكسية لكل ما تقدّم ذكره، ما قد يبطئ أو حتى يحبط تقدّم سياسات وبرامج الإصلاح الراهنة، التي لا خلاف إطلاقا على أهميتها القصوى لاستقرار اقتصادنا الوطني اليوم ومستقبلا، والاندفاع به عن جدارة واستحقاق نحو آفاق أوسع وأفضل على مستوى كل من خيارات الحياة ومجالات الإنتاج والتشغيل المتنوع. وهو الأمر الذي يجب أخذه على أعلى درجات الحيطة والحذر والعناية من قبل الأطراف كافّة، سواء القائمين على تنفيذ تلك السياسات والبرامج الطموحة، أو من قبل المختصين في كل المجالات ذات العلاقة، أو من قبل أفراد المجتمع كونهم الشركاء الأهم في معادلة التنمية الشاملة.
لأجل تحقيق وضمان أعلى درجات الأمان هذا الملف هو الأهم تنمويا واقتصاديا واجتماعيا خلال المرحلة الراهنة ومستقبلا، الذي يبدأ أول متطلباته من تحقق الحماية اللازمة للشرائح الاجتماعية الأكثر استحقاقا كما تبيّن لنا جميعا أعلاه، إضافة إلى بقية المتطلبات الضرورية الأخرى سنجد أنّه فيما يتعلق بضمان حماية شرائح المجتمع المستحقة، يتطلّب من الأطراف كافّة أثناء عملها التأكّد التام، وبذل العناية القصوى حال تنفيذها لمهامها ومسؤولياتها التي ترتكز على جانبين رئيسين: الجانب الأول: المتعلق بتقدير مستويات الاستهلاك المرشد، وضرورة أخذها بعين الاعتبار عددا من العوامل الاجتماعية والمناخية والبيئية حتى الاقتصادية، التي تعني وقوع أغلب المدن والمحافظات في مناطق صحراوية تتطلب أنماطا معيشية، تتوافق مع ظروف العيش في تلك المناطق، وتحديدا من حيث استهلاك الكهرباء والمياه، ويؤكد ضرورة أخذها بعين الاعتبار من جانب آخر؛ عدم اكتمال منظومة رفع كفاءة الاستهلاك المرشد لدينا حتى تاريخه (عوازل بناء، مكيفات، ثلاجات.. إلخ)، وعدم اكتمال وسائل النقل البديلة (النقل العام، المترو)، على الرغم من التقدّم الذي تحقق أخيرا، إلا أنّه لم يصل إلى درجة الاكتمال المستهدفة، التي تبعد عن مرحلتنا الزمنية الراهنة عقدا من الزمن على أقل تقدير! وهو ما يؤمل الأخذ به في عين الاعتبار أيضا عند تحديد تلك المعايير المرشّدة للاستهلاك، ومقارنتها بالمعايير المماثلة عالميا، بالتركيز على تلك الفروقات الكبيرة بين ما هو قائم لدينا، والتجربة الزمنية القصيرة لدينا، مقارنة بتجارب المجتمعات الأخرى التي تجاوز أغلبها عقودا طويلة.
الجانب الثاني: المتعلق بتحديد البدل النقدي الذي سيُدفع شهريا للأسر المستفيدة، الذي يؤمل أن يأتي كافيا جدا، وبما يعادل ما أظهره فعلا تقرير التوازن المالي، الذي أكّد في تفاصيله أنّ 30 في المائة فقط من فاتورة الدعم الحكومي المعمم، هي كل ما تحصّلت عليه الشرائح الاجتماعية الأحق قبل غيرها به، التي تتجاوز نسبتها 40 في المائة من إجمالي المجتمع السعودي، فيما ذهب 70 في المائة من تلك الفاتورة الباهظة الثمن (قُدّرت بـ 300 مليار ريال في 2015) إلى شرائح السكان الأكثر ثراء وغير السعوديين! أي ما لا يقل عن 90 مليار ريال، هي الحصة السابقة التي ضمنت مستوى معيشيا مستقرا لتلك الأسر. والأخذ بعين الاعتبار أيضا هنا؛ حجم الالتزامات المالية السابقة على عواتق أرباب الأسر محدودة ومتوسطة الدخل، من وجود قروض بنكية (استهلاكية، عقارية)، وما تشكلّه استقطاعات أقساطها الشهرية من ضغوط إضافية على كاهلها، والأخذ بمبدأ التيسير قدر الإمكان، مقارنة بالتشدد الذي قد تكون مثالبه أكبر من محاسنه، خاصة في بداية تنفيذ برامج الإصلاح، التي يُنظر إليها من حيث أهمية ضمان تحقق "رؤية 2030" و"التحول الوطني 2020" قبل أي اعتبار آخر. والله ولي التوفيق.