التوازن المالي بين المواطن والقطاع الخاص
تم إعلان الموازنة للعام الجديد 2017 التي اتسمت بمستوى جيد من الشفافية ورافقها إعلان برنامج تحقيق التوازن المالي وهو ما وضع خريطة طريق لملامح وأهداف الميزانية حتى عام 2020 الذي يهدف بشكل أساس إلى تقليص العجز بين الإيرادات والنفقات وصولا إلى تحقيق فائض في عام 2020 عبر عدة مبادرات وبرامج تخص تنمية الإيرادات غير النفطية وترشيد الإنفاق وتحقيق وفورات مالية من إصلاح أسعار الطاقة والوقود.
ولتحقيق هذا الهدف (التوازن المالي)، والأهم استدامته للأجيال القادمة، كان أمام الدولة عدة خيارات للبحث عن إيرادات أخرى منها ما يأخذ من دخل المواطن مباشرة مثل ضريبة الدخل وهي مطبقة في أغلب دول العالم أو ضريبة أرباح الشركات، لكن قررت ألا تلجأ لمثل هذه الإجراءات وعوضا عنها عملت الدولة لتصميم مبادرات (ذكية) تحقق من خلالها أكثر من هدف وأقل ضرر وهي 1 - زيادة الإيرادات 2 - ترشيد الاستهلاك 3 - تحسين الفرص الوظيفية للمواطنين. عند تحليل القنوات المحددة لزيادة الإيرادات غير النفطية نعلم أن أغلبها يحقق هذه الشروط فمثلا:
1 - الوفر الناتج من تعديل أسعار الوقود والطاقة يحقق هذا الهدف (زيادة الإيرادات) حيث من المتوقع أن يصل إلى 209 مليارات في عام 2020، ومن ناحية أخرى يحقق ترشيد استخدام الطاقة، حيث يجب ألا ننظر للجانب المادي لها فقط، فهنالك جوانب أخرى مهمة منها أن هذه المصادر غير متجددة مثل البترول والمياه وأنها ستصبح نادرة في المستقبل القريب لذلك وجبت المحافظة عليها وتهدف كذلك بشكل غير مباشر إلى تقليل التلوث البيئي.
2 - زيادة الإيرادات عن طريق زيادة المقابل المالي على الوافدين بقدر ما يحقق من إيرادات، سيخدم الفرص الوظيفية للسعوديين لكن مع الأخذ في الاعتبار تضرر قطاعات لا يتوقع عمل السعوديين فيها مثل عمال المقاولات والنظافة وغيرها وهي تحتاج إلى عناية ومراجعة من قبل المسؤولين.
3 - ضريبة المنتجات الضارة: سترتفع الضريبة على المنتجات الضارة بشكل كبير وبما يتوافق مع قرارات مجلس التعاون الخليجي ومثال على تلك المنتجات التبغ، والمشروبات الغازية والطاقة.
جميع هذه المبادرات لديها أكثر من هدف بجانب هدف زيادة الإيرادات تتعلق بالصحة والبيئة والوظائف، نحن نعلم أن مصادر الدخل للدول متعددة لكن تعتمد بشكل أساس على الضرائب، خصوصا ضرائب الدخل وضرائب أرباح الشركات وهذه أدوات كان بإمكان الدولة وضعها في البرنامج ولو بعد حين، لكن تم التأكيد أن هذه الأدوات ليست مطروحة من ضمن مصادر دخل الدولة وحتى عام 2030 لن تكون هنالك ضرائب دخل على المواطنين، وبخلاف ما تمت التوصية عليه من صندوق النقد الدولي وغيرها من المنظمات العالمية التي حثت الحكومة على تبني إصلاحات تشمل تطبيق ضرائب الدخل، اكتفت الدولة بتحديد الضرائب والرسوم بأقل الضرر وبما يخدم الوطن على المدى البعيد، وإن كانت آثاره على المديين القصير والمتوسط سلبية سواء على الاقتصاد أو المواطن ومن دون المساس براتب المواطن بشكل مباشر عن طريق أخذ ضريبة دخل. ولتحقيق عدالة اجتماعية والتخفيف من آثار هذه الإصلاحات تم إقرار حساب المواطن ليخفف من الآثار التضخمية المباشرة وغير المباشرة التي ستضر (بكل تأكيد) بمداخيل المواطنين، وتمت مراعاة الدخل الشهري ليكون الدعم الأعلى لأصحاب الدخول الأقل وهكذا.
لا أعتقد أن برنامج حساب المواطن سيغطي كل الآثار المترتبة على برامج التوازن الاقتصادي لكن سيخفف منها، وهو ما سيتطلب أن يبحث المواطن عن طرق الترشيد في نفقاته بطريقته الخاصة ومراعاة التأقلم مع كل المتغيرات الاقتصادية. هنالك كثير من التغييرات التي تحدث وسوف تحدث خلال السنوات القادمة قد يصعب على عديدين في البداية التأقلم معها، لكن بالتأكيد في نهاية الأمر ستصبح طبيعية ويتأقلم المجتمع معها خصوصا في مجتمع أدمن رعاية الدولة بطريقة قل وجودها في دول أخرى (وأنا هنا أخص "رعاية" في دعم وتوفير وظائف في الدولة ودعم السلع والخدمات) التي أخذت مسارا تصاعديا وقويا خلال آخر 15 سنة حيث كان مجمل ميزانية الدولة لعام 2002 مبلغ 234 مليارا فقط الذي يعادل 26 في المائة فقط من ميزانية 2017 بمعنى آخر، ارتفعت الميزانية عن 2002 بـ 280 في المائة، وإذا علمنا أن مقدار بند الأجور اليوم يعادل 460 إلى 480 مليارا تقريبا وهو أكثر بالضعف من ميزانية الدولة كاملة قبل 15 سنة، وساعد على نمو هذه النفقات الكبيرة البترول الذي لا يتجدد وسينتهي في المستقبل وعليه كان لابد من عملية التحول الاقتصادي وتحقيق التوازن المالي الذي هو أول مرحلة من مراحل الرؤية، وهو مهما كان قاسيا في بعض مبادراته على قطاع الأعمال إلا أنه سيحقق أهدافا أكبر للدولة. لكن إذا تجاوزنا مرحلة 2020 بنجاح، يجب أن تكون أهم أهداف المرحلة التالية هي الاهتمام بدخل الفرد في السعودية الذي يجب أن يقاس عن طريق مؤشرات مثل ارتفاع معدل متوسط الدخل للفرد وكذلك الاهتمام بهدف مهم جدا وهو تنمية وزيادة الطبقة المتوسطة التي كما نعلم من أهم طبقات المجتمع وركيزة الأمان له والمحرك الأقوى اجتماعيا لأي اقتصاد، وفيها تحقيق معني العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروات وهو ما أتمنى رؤيته في البرامج القادمة، والأهم هو كيفية تطبيقه وتحديد النسب ومؤشرات الأداء اللازمة لتحقيقه من قيل الجهات المعنية.
في الختام من الواضح أن القطاع الخاص سيعاني الآن حتى عام 2020 حسب تأثر كل قطاع، وأتمنى من الدولة المراعاة والاهتمام بتأثر هذه القطاعات من ناحية التكاليف التي لن تنفع معها أي مبادرات إن لم تكن مربحة.