«رؤية 2030» .. تعظيم استثمارات السعودية
يأتي تعظيم قدراتنا الاستثمارية كأحد أهم محاور "رؤية المملكة 2030"، خاصة تطوير صندوق الاستثمارات العامة ليصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، والهدف النهائي من كل هذا هو رفع إيرادات السعودية غير النفطية، مع شرط ألا يكون صندوق الاستثمارات العامة منافسا للقطاع الخاص، بل سيكون محركا فاعلا لإطلاق بعض القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة. ومن أجل هذا سيتم الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة. هذا هو النص الحرفي الذي ورد في "رؤية المملكة 2030". ولأن هذه القيادة العليا لهذه الدولة تمضي جادة وصادقة في تنفيذ ما خططت له، فقد أخذ الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد على عاتقه تنفيذ هذه الرؤية الطموحة جدا، فذهب إلى أقصى الغرب ثم إلى أقصى الشرق في جولة تاريخية، ومن ثمار تلك الجولات ما تحقق من إنجاز عالمي غير مسبوق تمثل في تأسيس صندوق رؤية سوفت بنك برأسمال 100 مليار دولار. وهذا الصندوق سيهدف إلى تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني على مستوى العالم ليكون من بين أكبر الصناديق الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي. وقد استثمر صندوق الاستثمارات العامة 45 مليار دولار تسدد على مدى خمس سنوات، ويعد صندوق الاستثمارات أكبر مستثمر في هذا الصندوق النوعي، وتأتي مجموعة سوفت بنك باستثمار قدره 25 مليار دولار. ولم يمض وقت طويل منذ تم إطلاق الصندوق ومبادراته عالميا، حتى أبدى عديد من الشركات العالمية المتخصصة رغبتها في الانضمام إليه، فقد أكدت شركة أبل أنها تعتزم استثمار مليار دولار في الصندوق، وذلك بهدف تدبير أموال تساعدها على تمويل التكنولوجيا التي قد تستخدمها في المستقبل، وقد أكدت شركة أبل أن هذا الصندوق سيزيد من سرعة تطوير التكنولوجيا، التي قد تكون مهمة من الناحية الاستراتيجية لشركة أبل، وإضافة إلى شركة أبل فقد قررت كل من شركة أوراكل وكوالكوم وفوكسكون التغطية المالية لصندوق سوفت بنك، كما بحث آخرون مسألة الاستثمار في هذا الصندوق ومن ضمنهم صندوق الثروة السيادي لإمارة أبو ظبي، وهيئة قطر للاستثمار.
هذا العمل العالمي الجاد من قبل مؤسسات عملاقة يدل بلا جدل على سلامة خطوات المملكة وعلى دقة اختياراتها في التحول الاستراتيجي في عمل صندوق الاستثمارات العامة، فهذه التوجهات تجعل المملكة شريكا في الحضارة الإنسانية بشكل عام، وهو ما سينعكس حتما على المملكة، سواء في نقل التكنولوجيا المتطورة، أو في توجيه الحراك العالمي نحو ما يخدم أهداف المملكة الكبرى والسامية لمصلحة الإنسانية جمعاء، وهو ما يسمى اليوم بالقوة الناعمة. أضف إلى كل هذا ما ستحققه هذه الاستثمارات من تنويع لمصادر المالية العامة للدولة والتخلص تماما من قلق أسعار النفط، وهو الأمر الذي سينبئ عن اقتصاد مستدام متوازن، يمكننا من التخطيط الأفضل للمستقبل. وكتقييم أولي ونحن نناقش مسألة التوجهات الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، فمن الواضح أنها تأتي بناء على عميق فهم، ورغبة جادة في التنويع، يجب علينا هنا الإشارة إلى استثمار الصندوق في شركة أوبر، حيث اشترى الصندوق حصة في هذه الشركة الحديثة تقدر بـ 3.5 مليار دولار، وأوبر هي شركة تمثل منصة تقنية لدعم النقل حول العالم، من خلال تطبيقات إلكترونية متقدمة للتواصل بين الركاب والسائقين. وفي هذا السياق نشير إلى أن شركة أبل تعمل في المسار نفسه الذي يعمل فيه صندوق الاستثمارات العامة في تحقيق تحول في استراتيجية استثماراتها. ففي العام الماضي، استثمرت الشركة مبلغ مليار دولار في شركة ديديشوكينج التي تعد شركة مناظرة لشركة أوبر في الصين. وإذا علمنا أن سوفت بنك هي قوة عالمية كبرى في عالم الإنترنت، وتعتزم من خلال صندوق سوفت بنك دعم هذه القوة العالمية وزيادة الاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات، ومن ذلك الاستثمار في OneWeb، وهي شركة الأقمار الصناعية الأمريكية الناشئة والاستحواذ على شركة Arm البريطانية التي تصمم الرقائق المستخدمة في الهواتف الذكية. وعندما نجد "أبل" وهي الشركة العملاقة في هذا المجال أيضا تتجه لاستخدام سيولتها المتراكمة التي تصل إلى 240 مليار دولار لتوزيع استثماراتها على التكنولوجيات الجديدة بدلا من تطوير منتج ناجح كهاتف آيفون، فإن هذا كله يعد مؤشرا واضح الدلالة على مستوى التنافسية التي يعمل عندها الصندوق، ويتخذ من خلالها قراراته، ما يدعم الاتجاهات التي اتخذها الصندوق، ويعزز من صحة القرارات. بالطبع فإن العوائد على الاستثمارات هي المحك الأساس لنجاح الاستثمار أو عدمه، لكن ونحن في البدايات، فإن قرارات الشركات العالمية الكبرى الناجحة، التي تأتي في سياق قرارات واستثمار الصندوق، تعطي مؤشرات مطمئنة جدا في الوقت الراهن بلا أدنى شك حيث إن المملكة العربية السعودية تختار استثماراتها في الخارج بدقة وعناية شديدتين بما يحقق لها عوائد مجزية ومستدامة.