كلمة "الاقتصادية": الرياض وواشنطن .. تصحيح حتمي لعلاقات متميزة أكثر قوة
اللقاء بين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ والرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ ليس أقل من نقطة تحول تاريخية حقيقية لأسباب ومعطيات عديدة؛ منها أن العلاقات السعودية - الأمريكية شهدت طوال فترة الرئيس باراك أوباما؛ تباعدا في عدد من الملفات. والحق أن العلاقات الأمريكية نفسها شهدت تباعدا حتى مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة، ومنها دول حلف شمال الأطلسي في فترة أوباما. ونقطة التحول التاريخية هنا، تكمن في أن اللقاء على هذا المستوى الرفيع أعاد مسار الأمور إلى طريقها الصحيح. يُضاف إلى ذلك، أن التحولات الأمريكية الراهنة تتزامن مع تحولات تاريخية على الساحة السعودية ولا سيما الاقتصادية، ما يعمّق المسارات في هذا الاتجاه أو ذاك. دون أن ننسى، أن علاقة المملكة بالولايات المتحدة لم تكن موسمية في يوم من الأيام، بل أقيمت على أسس استراتيجية تضمن لها استدامة وقوة بصرف النظر عن الفترة المشار إليها التي شملت أغلبية بلدان العالم تقريبا.
المملكة عبر ولي ولي العهد كانت - كعادتها - واضحة في سياساتها بصرف النظر عن مستوى العلاقة مع الطرف الآخر، فكيف الحال وهذه العلاقة أخذت هذا التحول في الاتجاه الذي يسمح ليس باستمرارها وفق الأسس التي قامت عليها فحسب؛ بل أيضا على أساس المخرجات الإيجابية لكلا الطرفين، وكذلك للأطراف الدولية الأخرى ذات الصلة. من هنا تطابق عالي القيمة والمستوى بين الرياض وواشنطن - الآن - حول الخطر الذي تسببه إيران للمنطقة والعالم، وكيف أن هذا البلد استفاد من تراخي السياسة الأمريكية طوال ثماني سنوات؛ بل محاباة هذه السياسة لطهران في كثير من الأحيان. ولأن المملكة تقود معركتها الإقليمية - العالمية ضد الإرهاب، تجد الإدارة الأمريكية الجديدة أن دور المملكة بهذا الخصوص، يضع آفة الإرهاب في مكانها الصحيح، أي أنها عدو متربص لا بد من اجتثاثه تماما وعدم التهاون في محاربته. ولذلك تمثل إيران المحور الرئيس للإرهاب، وهي تسعى بكل ما تستطيع إلى الحصول على الأدوات اللازمة لإبقائه حيا منتشرا أكثر تخريبية من ذي قبل.
المفاهيم الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة بإدارتها الحالية، هي أيضا تتسم بالتناغم، خصوصا مع "الورشة" الاقتصادية الهائلة التي تعم السعودية في كل القطاعات، وهي "ورشة" انبثقت تلقائياً من "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. فللأمريكيين مكان فيها كما لكل من يرغب في العالم الحصول على حصة منها طالما أن هذه الحصة تسهم مباشرة في تحقيق أهداف "الرؤية". وبدا هذا واضحا في أوضح صوره خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة، حيث تدافعت المؤسسات والشركات الأمريكية للتعبير عن رغبتها في دخول السوق السعودية وفق المفاهيم المرنة والمنفتحة الجديدة التي تم اعتمادها.
وحول الإسلام، شدد الرئيس الأمريكي على أنه ليس ضد الدين الإسلامي؛ بل بالعكس يعتبره دينا يدعو إلى التسامح والسلام والأمن. وكما رؤية الرياض بهذا الخصوص، فإن الجانب الأمريكي يرى أن المتطرفين والإرهابيين يحاولون منذ ظهورهم اختطاف هذا الدين العظيم وتلويثه بممارساتهم الإجرامية المختلفة. ويكفي ما نال المملكة من إجرام هؤلاء طوال العقدين الماضيين. هنا تأتي قوة الموقف السعودي ضد الإرهاب، والأدوات التي سخرتها المملكة (ماليا، واستخباراتيا، وتوعويا وغير ذلك) لمواصلة الحرب عليه حتى النهاية.
ستسجل زيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة في مقدمة الأدوات التي تعيد الأمور بين الطرفين إلى نصابها، خصوصا أن علاقات الرياض بواشنطن لا تخص الطرفين فحسب؛ بل لها روابطها العالمية المحورية الكثيرة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. إن تصحيح الأمور جاء في الوقت المناسب، بينما تعرضت لتباعد لم يصب في مصلحة المملكة ولا الولايات المتحدة نفسها