اليابان تستعد لسد فجوة سيارات كهربائية خلفتها الصين
يعد الوقت الراهن مناسباً لاغتنام شركات السيارات اليابانية العريقة الفرصة للتوسع في أميركا الشمالية، لتلبية الطلب على السيارات الكهربائية، خاصة أن سياسات الولايات المتحدة الحمائية ومخاوفها الأمنية، تعيقان التوسعات الخارجية لشركات صينية مثل "بي واي دي" (BYD) و"سايك موتور" (SAIC Motor)، ما يفسح المجال أمام الشركات التي تعتبرها الحكومات الغربية أكثر ودية.
وتعتبر شركة "هوندا موتور" (Honda Motor) مثالاً جيداً على ذلك. فقد ذكرت "بلومبرغ نيوز" أن العملاق الياباني على وشك إبرام صفقة مع كندا لإنشاء مصنع في جنوب مقاطعة أونتاريو. علماً بأن المنشأة الجديدة ستصنع سيارات كهربائية وستتلقى حوافز من الحكومة الفيدرالية، كما أنها ستأتي بجانب المصنع الحالي المخصص للسيارات العاملة بمحركات الاحتراق في أليستون بمقاطعة أونتاريو.
وتحرص كندا على جذب المزيد من إنتاج السيارات الكهربائية، لتُضاف إلى مصانع تجميع السيارات التقليدية المملوكة بالفعل لكل من فورد موتور وجنرال موتورز وتويوتا موتورز.
هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين صفقة "هوندا" وكيفية دعم الحكومة الكندية للمصانع التي سيبنيها صانع السيارات الأوروبي "ستيلانتس" (Stellantis NV) ومورد البطاريات "نورثفولت" (Northvolt AB). لكن الصورة الأكبر تظل قائمة، وتتعلق بصُنع المزيد من السيارات الكهربائية في البلاد.
مخاوف الولايات المتحدة
تعتبر صفقة "هوندا" مهمة لأنها تأتي في وقت تتحرك فيه الولايات المتحدة لمنع شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية من إنشاء مصانع في أميركا الشمالية، ناهيك عن بيع سياراتهم في السوق الأميركية.
وتنبع الحمائية الأميركية من نفس المخاوف التي أدت إلى فرض حظر على تركيب معدات الاتصالات التابعة لشركة "هواوي تكنولوجيز"، وقيود على بيع الرقائق إلى الصين. كما يمكن أن تشكل السيارات، وتحديداً الكهربائية منها، الخطر الأمني القادم، لذا فإن الإدارة الأميركية لا تريد المخاطرة بذلك. وتتصادم هذه المعارضة مع هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ المتمثل في تعزيز التنمية الصناعية، الأمر الذي يضع قطاع السيارات الكهربائية الصيني الرائد عالمياً، في صميم هذه الخطة.
تمتد اعتراضات الولايات المتحدة أيضاً إلى جيرانها. فقد بدأت المكسيك مؤخراً في رفض تقديم حوافز لصُناع السيارات الصينيين، رغم أن الحكومة قدمت في السابق إغراءات مثل توفير أراضي رخيصة وتخفيضات ضريبية، حسبما ذكرت "رويترز" في أبريل الجاري. ويأتي هذا الرفض نتيجة الضغوط الأميركية، حيث أشار مسؤول في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إلى أن الاتفاق التجاري مع كندا والمكسيك لم يكن يستهدف "توفير باب خلفي للصين".
الشركات اليابانية تغتنم الفرصة
تتمتع شركات صناعة السيارات اليابانية، التي تدير مصانع حول العالم، بالذكاء في اغتنام هذه الفرصة الأخيرة في مجال السيارات الكهربائية في أميركا الشمالية.
بعد مرور أربعة عقود على بلوغ المخاوف الأميركية من قطاع السيارات الياباني المتنامي ذروتها، أصبحت العلاقة التجارية والاستثمارية أكثر ترابطاً وأقل تنافسية.
ويشمل تواجد المصنعين اليابانيين في كندا والمكسيك والولايات المتحدة شركات مثل "تويوتا" و"نيسان" و"سوبارو" و"ميتسوبيشي"، علاوة على "هوندا". لكن على غرار بقية قطاع السيارات في أميركا الشمالية، تواصل هذه المصانع إنتاج سيارات عاملة بالبنزين. هذا سيتغير، لكن تحويل إنتاج مصانع محركات الاحتراق الحالية نحو السيارات الكهربائية يثبت أنه أكثر صعوبة مقارنة بما فعلته شركة "تسلا"، التي حققت نتائج جيدة في تصنيع السيارات الكهربائية من البداية.
وأصبحت الشركات الصينية فعلياً خارج السباق قبل أن يبدأ، فيما تواجه العلامات التجارية الأميركية العريقة تحديات. فعلى سبيل المثال، فشلت شركة "جنرال موتورز" في تحقيق مبيعاتها المستهدفة من السيارات الكهربائية، وتجاوزت أيضاً بعض الخطوات لتسريع عملية الإنتاج.
لكي نكون واضحين، لم تهزم شركات صناعة السيارات اليابانية تماماً نظيرتها الصينية أو الأميركية في سباق السيارات الكهربائية العالمي. فقد تعهدت "تويوتا" بالتحول نحو الطاقة الجديدة، لكنها تمسكت أكثر في الأعوام الأخيرة باستراتيجية تتمحور حول السيارات الهجينة. لكن رؤاهم المستقبلية تبدو أكثر تماسكاً وواقعية.
وهذا هو السبب في أهمية الخطوة التي تتخذها "هوندا" في كندا. فمثل هذه الخطوة لن تعود بالفائدة على صانع السيارات الياباني ونظرائه المحليين فحسب، بل ستساعد أيضاً في دفع أميركا الشمالية نحو مستقبل كهربائي بالكامل. وإذا استمر أقرانهم الأميركيين والأوروبيين في التعثر أثناء التحول إلى السيارات الكهربائية، ومُنعت الشركات الصينية من مجرد المحاولة، فعندئذ ستكون شركات مثل "هوندا" و"تويوتا" على الأقل مهيئة ومستعدة لاغتنام الفرصة.