استراتيجيات الاستثمار العقاري
عديد من الجهات المهنية والعلمية المتخصصة في المجال العقاري حاولت تصنيف استراتيجيات الاستثمار العقاري، وقد يجد القارئ الكريم عديدا من الأطروحات حول هذا الموضوع، لكن في هذا المقال سأركز على الاستراتيجيات الاستثمارية التي توازن بين العوائد والمخاطر، وكما هو معلوم، فإن مقابل أي عوائد مرتفعة هناك مخاطرة عالية والعكس صحيح، ولذلك تم تصنيف الاستراتيجيات، وفقا للعوائد المتوقعة وفي المقابل المخاطر التي ستتعرض لها المحفظة العقارية في حال اتباع استراتيجية معينة، ويبدأ التصنيف بالاستراتيجية المتحفظة، ثم المتحفظة جزئيا، ثم استراتيجية القيمة المضافة، وأخيرا استراتيجية اقتناص الفرص.
من يتبع استراتيجية استثمار عقاري متحفظ يتميز بأن محفظته تحتوي على عقارات مدرة للدخل، وغالبا ما تكون مؤجرة بالكامل على مستأجرين ذوي ملاءة مالية وتصنيف ائتماني عال، مثل المؤسسات الحكومية والشركات المساهمة العامة، أو الشركات العالمية الكبرى، وتتميز عقود الإيجار بأنها ذات مدد طويلة من عشر إلى 20 سنة، وذلك لضمان الدخل على المديين المتوسط والبعيد، كما أن الأصل في متبعي هذه الاستراتيجية عدم الحصول على تمويل عقاري، وإنما امتلاك العقارات بمدخراتهم الخاصة، ولذلك يتبع هذه الاستراتيجية في الأغلب الجهات التي لديها نقد مرتفع مثل صناديق التقاعد والتأمين والصناديق السيادية، وكذلك فإن الصناديق الاستثمارية العقارية المتداولة "ريت" تفضل مثل هذه الاستراتيجية، لأنها تحتاج إلى استثمار أموالها في أصول ذات عوائد مستقرة حتى إن كانت منخفضة نسبيا، ولذلك يلاحظ من ملامح الاستراتيجية بأنها تحقق عوائد شبه مضمونة، لكنها منخفضة المخاطر، أما من يتبع الاستراتيجية المتحفظة جزئيا فهي تتوافق مع المتحفظة بأنها مخصصة للعقارات المدرة للدخل، لكن يمكن أن تكون مؤجرة على مستأجرين ذوي ملاءة مالية متوسطة أو منخفضة، كذلك من الممكن أن تكون العقارات تشغيلية مثل الفنادق والمنتجعات والمولات التجارية، وبالتالي هناك تذبذب ولو ضئيل في التدفقات النقدية، وكذلك تحتاج إلى متابعة لصيقة للتشغيل والصيانة، وغالبا يتم الحصول على تمويل قد يصل إلى 70 في المائة من قيمة العقار للاستحواذ عليه، ولذلك فمستوى المخاطرة أعلى في هذه الاستراتيجية ولكن العوائد غالبا تكون أعلى خاصة العائد على النقد، وغالبا ما تتخذ الصناديق العقارية المدرة للدخل هذه الاستراتيجية وكذلك المستثمرون المتخصصون في العقارات التي تتطلب تشغيلا وصيانة بشكل شبه يومي.
أما استراتيجية القيمة المضافة فهي خليط بين التطوير والاستثمار العقاري، حيث يقوم المستثمر بالاستحواذ على العقارات التي انتهى عمرها الاقتصادي وأصبح دخلها ضعيفا جدا، وهذا بسبب أن طريقة تصميمها قديمة ولا تتوافق مع المنطقة المحيطة والاستخدام الأفضل لها، ولذلك يقوم المستثمر بإعادة تأهيل وترميم العقار، حيث يراعي المتطلبات الحالية للسوق المستهدف، وبعد إعادة التأهيل يقوم بتأجير العقار، ويحصل على عوائد أعلى بكثير من ذي قبل، وبذلك ترتفع قيمة العقار بشكل ملحوظ ولذلك عرفت الاستراتيجية بالقيمة المضافة، المتمثلة في إضافة تحسينات على العقار ترفع من قيمته السوقية والتأجيرية، وغالبا ما تكون هذه الاستراتيجية، مفضلة للمستثمر، الذي يفضل التخارج من الاستثمار على المدى القريب أو المتوسط، حيث يستحوذ على العقار ويعيد تأهيله وتأجيره بقيمة أفضل ثم بيعه بقيمة أعلى من الشراء بسبب تحسن عمره الاقتصادي ودخله. أما الاستراتيجية الأخيرة المتمثلة في اقتناص الفرص فهي غالبا تكون مركزة على التطوير العقاري، سواء للمنتجات السكنية أو التجارية، وتم تصنيفها كأعلى الاستراتيجيات عوائد ومخاطرة، وذلك بسبب وجود كثير من المتغيرات التي قد تؤثر في مسيرة التطوير ومن أهمها تغير أوضاع السوق، التي نشهدها حاليا في السوق العقارية السعودية، ولذلك تأثر التطوير بالتقلبات الاقتصادية يعتبر أشد من غيره من استراتيجيات الاستثمار العقاري، وكذلك تطوير العقارات المتخصصة والموجهة إلى قطاعات معينة وشريحة ضيقة من المستفيدين مثل تطوير العقارات الصناعية واللوجستية المتخصصة، وكذلك مراكز البيانات المخصصة للقطاع التقني والمباني المخصصة لاستخدام المستشفيات والمراكز الصحية، وغيرها من المنتجات المتخصصة التي تحتاج إلى دراسة دقيقة وتخصص للنجاح في إنجازها.
الخلاصة، لا بد للمستثمر في المجال العقاري أن يحدد استراتيجيته الاستثمارية وبالتالي يستطيع اتخاذ قرارات الاستحواذ والتخارج والمشاركة على أسس واضحة تخدم توجهاته، ووجود استراتيجية واضحة خاصة في وقت الحيرة والضبابية يجعل المستثمر أكثر ارتياحا في اتخاذ القرارات الاستثمارية، لأن البوصلة لديه واضحة، لأن المعروض في السوق متنوع وكثير ولا يمكن حصره، بينما لو تم تحديد استراتيجية متحفظة مثلا بعوائد محددة مسبقا كمعيار، فمن السهل البحث عن العقارات التي تخدم هذا التوجه ويمكن الاستحواذ عليها في أي وقت لأنه يخدم توجه المستثمر وأهدافه بشكل واضح ومباشر، ولذا ما ينصح به المستثمر العقاري خاصة في وقت الضبابية هو التفكير العميق في تحديد استراتيجيته الاستثمارية ومحاولة اقتناص الفرص والالتزام والتركيز بما يحقق منفعته وفقا لهذه الاستراتيجية.