تمويل الإسكان: مقترحات لحلحلة المشكلة
يدور بين الناس لغط كثير حول تمويل الإسكان. مصدر اللغط أمران: توقف صندوق التنمية العقارية عن إعطاء القروض السكنية حسب سياسته السابقة. وتحويل الناس إلى المصارف. وقيل في هذا التحويل ما قيل، كارتفاع معدلات الربح أو الفائدة. سأعرض نقاطا، أما التفاصيل فتتطلب صفحات وصفحات كثيرة. سياسة الصندوق السابقة لا تصلح للاستمرار لا شك أن عددا كبيرا من المواطنين استفادوا فائدة عظيمة من تمويل الصندوق على مدى عقود. المشكلة أن الطوابير تزيد طولا مع مرور كل عام. ولو استمر الصندوق على طريقته فسيكون على المتقدم الآن الانتظار أكثر من 25 عاما ليصله الدور لقرض الصندوق. الأسباب هي طول مدة السداد ووجود الإعفاءات وكثرة غير المنتظمين في السداد، وزيادة حجم القرض وتزايد السكان. وزاد الطين بلة أوضاع ميزانية (مالية عامة) صعبة. للتوضيح السريع، قيل إن رأسمال الصندوق المدفوع قرابة 170 مليار ريال. لكن هناك نسبة لا تسدد وهناك إعفاءات، ولذا سنفترض أنه سيتوافر بعد حسم التعثر والإعفاءات قرابة 120 مليارا. هذا يعني سيتوافر للصندوق مال من سداد الأقساط كل سنة في حدود سبعة مليارات ريال. كيف؟ أقسم 120 على 25 عاما يساوي خمسة مليارات تقريبا، ثم أقسم الناتج أي الخمسة مليارات على 25 وهكذا. والسبعة مليارات تكفي لإقراض أقل من 20 ألف مواطن سنويا على نظام الصندوق القديم. بينما تبلغ أعداد من يحق لهم التقدم للحصول على قروض الصندوق قرابة 150 ألفا سنويا، وهو عدد يزيد مع الوقت بسبب تزايد السكان. لا يفترض أن يطبق النظام بأثر رجعي مع القناعة بما قلته في الفقرة السابقة، لكن لا ينبغي للصندوق أن يطبق سياسته الجديدة على من تقدموا وكانوا على قوائم الانتظار قبل السياسة الجديدة. كان بالإمكان الوصول إلى حلول تراعي التواريخ المتوقعة لحصولهم على القرض. كلما كان أقرب كانوا أحق بتطبيق الطريقة السابقة عليهم. طبعا يعاني الصندوق شح أمواله، ولكن الفرصة متاحة، حتى لو تطلب الأمر أن تقترض الدولة لحل مشكلة هؤلاء، خاصة مع الخفض الشديد في عجز الميزانية تبعا لبرامج التوازن المالي.
ماذا كان يفترض عمله في السابق؟ عندما توفر للدولة فائض خلال عهد الملك عبد الله ـــ رحمه الله ـــ كان الحل الأحسن للناس على المدى البعيد هو بناء استثمارات للصندوق، حيث يكون الإقراض والدعم من العوائد وليس رأسمال الصندوق. لو خصص من إيرادات النفط خلال الـ 15 الماضية ما لا يقل عن 700 مليار (بعضها من الفوائض وبعضها من الأموال التي ذهبت مصاريف كالزيادة في رواتب موظفي الحكومة)، واستثمر نصفها في الداخل ونصفها في عدد كبير من الدول، ووزعت على استثمارات متنوعة جدا في الأنشطة والشركات والعقارات تقليلا من المخاطر، لتوافرت لدينا الآن عوائد أتوقع أنها لا تقل عن 50 مليارا سنويا. كتبت حينها أكثر من مقال جوهرها أننا نعيش في أوهام حول مالية الحكومة على المدى البعيد. واقترحت بدلا من زيادة الرواتب أن يستخدم بعض الزيادة في مجالات أخرى أكثر نفعا للمواطنين وأولادهم على المدى البعيد، مثل بناء أصول ذات عوائد لصندوق التنمية العقارية وصناديق تنموية أخرى. هوجم المقترح لأن أكثر الناس لا يعلمون. هم في الغالب قصيرو نظر، ينظرون إلى يومهم فقط. هل فاتت الفرصة؟ لا أظن ذلك، بل بالإمكان تطبيق المقترح بطريقة أو بأخرى، بما يؤمن عوائد سنوية للصندوق، مع بقاء رأس المال. وهذا يسمح للدولة أن تعطي جزءا من العوائد على أنها منح لا ترد. وتتحدد نسبة هذا الجزء حسب معايير موضوعية تراعي ظروف كل مواطن. مقترح برنامج ادخار إجباري على المدى البعيد يقترح إنشاء برنامج ادخاري استثماري للإسكان شبيه بالتقاعد. كيف؟ يقتطع من راتب كل موظف سواء في القطاع العام أو الخاص 2.5 في المائة (أو أقل أو أكثر)، وصاحب العمل يسهم بنسبة مقاربة، والحكومة بنسبة مقاربة، ربما بواسطة صندوق التنمية العقارية لو كانت لديه استثمارات تدر عوائد، كما سبق طرحه. وممكن أن ينظر في مساعدة صندوق الموارد البشرية لمساهمة صاحب العمل، مثلا ربما يدعم صندوق الموارد الفكرة بتحمل بعض مساهمة صاحب العمل وفق ضوابط طبعا. بهذا تتكون للصندوق اشتراكات ثلاث مجموعها قد تبلغ قرابة 7 إلى 8 في المائة من راتب الموظف. وستكون الحصيلة السنوية تقديرا في حدود 30 مليار ريال في الوقت الحاضر. يلحظ أن الاقتطاع بسيط، فمن راتبه الشهري ستة آلاف سيقتطع منه شهريا فقط 150 ريالا. ومن جهة أخرى، يتوافر للمشترك في البرنامج بعد اشتراك لمدة لا تقل عن، مثلا عشرة أعوام، تسلّم مبلغ نقدي كبير. هذا المبلغ يسهم مع مصادر التمويل الأخرى لمساعدة المشترك على تملك سكن أقرب إلى تطلعاته، من حالة عدم وجود البرنامج أصلا. ويمكن للبرنامج دعم الإسكان بطرق وسياسات أخرى. تمويل مصرفي بالجملة وبفائدة تقارب ما تقترض به الدولة ينبغي على الدولة أن تقترض بالجملة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. أي أن الفوائد المصرفية ستكون متدنية نسبيا والهدف تمويل الإسكان للمواطنين. مثلا تقترض في العام 50 مليار ريال أو أقل أو أكثر، وتعمل الترتيبات والضوابط والمعايير بصورة مسبقة ومعلنة وواضحة مفهومة لإقراض الناس "أو على الأقل لسد جزء كبير من احتياجاتهم التمويلية" ما اقترض من المصارف باسم الدولة. وطبعا تأخذ الدولة احتياطاتها لضمان سداد الناس للأقساط.