خطاب المساواة تجاه غير المسلمين
بعد مقال الأسبوع الماضي عن تبنّي خطاب المساواة؛ جاءتني بعض الردود من الزملاء المحبين، وبعضهم يستنكر تبني المساواة بدعوى أن الشريعة جاءت بالعدل وليس بالمساواة، بحجة أن المساواة يجب أن تكون بعدالة كما يفهمها البعض، فالمساواة مثلا مع المختلف معنا في الدين مثلا غير جائزة كونه لا يستحق المساواة وهكذا. وكان جوابي لهم بأن نقاش الموضوع يحتاج إلى عدة مقالات، ولكن إجمالا سأناقش فقط جانب المساواة مع غير المسلمين.
المسلمون اليوم في الغرب أكبر جالية بعد المسيحيين، وأعدادهم في تصاعد مستمر بسبب الحروب والصراعات في بلدانهم مع الأسف، ولنا أن نتساءل عن حياة أولئك في تلك الدول المتناثرة! وعن حرياتهم وحقوقهم؟ ماذا لو طبق الغرب عليهم بعض القوانين التي تميزهم عن غيرهم وتحرمهم ممارسة عباداتهم وحرياتهم وتمنع عنهم حق المواطنة وتفرض عليهم جزية مثلا كما يطرح بعض متشددي المسلمين؟
أنا هنا لا أدافع عن الغرب ومظالمه التي حدثت في بلاد المسلمين، وإنما أتحدث عن مبدأ التعامل مع الآخر تحت مظلة المعاملة بالمثل، وسأحاول طرح تساؤلات تعيد التفكير في عدد من النقاط التي يثيرها بعض المتشددين ويرتكزون عليها في أفكارهم المتطرفة.
نشأ اليوم ما يُسمى بالقانون الدولي، وهو يحتوي على كثير من المعاهدات والمواثيق الدولية التي اتفقت عليها سائر الأمم باختلاف أطيافها وأديانها، وهو يرتكز على وضع آليات سلمية حديثة لتسهيل التعاملات والتعاون الدولي بين الأمم والشعوب، إضافة إلى وسائل لحل النزاعات بطريقة حديثة وعادلة في المجمل ولا تفرق في الجنسية أو الدين أو العرق وخلافه.
من أهم القواعد في القانون الدولي هي قاعدة المعاملة بالمثل، وهي تأتي في عدد من المجالات، مثل الاختصاص القانوني وتنفيذ الأحكام القضائية وكذلك في القوانين السيادية ونحوها، وعلى هذا الأساس؛ تشكلت الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية في المجمل.
وإذا نظرنا إلى الإسلام فإننا سنجد أيضا ما يؤسس لمبدأ المعاملة بالمثل، ولكن بعض الفقهاء التقليديين ما زالوا يكررون مثلا مبدأ الجزية على أهل الذمة! وهي عمل تاريخي كان يمارس من أغلب الأمم آنذاك وكان متعارفا عليه، ولكن اليوم هناك معاهدة دولية بأنه لا تمييز بين المواطنين، فالمسلمون الذين يعيشون في الغرب مثلا لا تُفرض عليهم الجزية أو التمييز لأجل دينهم، ولا أعتقد إطلاقا أن من العدل والإنصاف أن نعاملهم بأسوأ مما يعاملوننا به في هذه النقطة، وجميع هذه التشريعات "الجزية وعقد الذمة" مبنية على السياسة الشرعية والمصالح المرسلة التي تُخضِع كثيرا من الأحكام إلى المصلحة، كما أن العدل يقتضي ذلك في ظل هذه الظروف الحالية.
الخلاصة؛ أن السياسة الشرعية مبنية على المصلحة، كما أن الحفاظ على المقاصد العامة للشريعة بالعدل والمساواة وحفظ الحقوق مقدم على الوسائل التي ليست مقاصد في حد ذاتها، وخاصة أن مثل المعاهدات الدولية عندما تكون إيجابية ولا تميز ضد المسلمين فإن العقل والأولى اتباعها لا مناهضتها التي نكون نحن فيها أشد الخاسرين.