«الصخري» .. ضحية للإعلام الأمريكي
نحن نفهم لماذا مزارعو الخضار في بلادنا يضطرون إلى بيع منتجاتهم بأبخس الأثمان وقت نضج الثمر. فقد تصل قيمة صندوق أو كرتون الطماطم على سبيل المثال، أو أي منتج آخر، 40 ريالا وقت شح المعروض، وتنخفض القيمة إلى أقل من خمسة ريالات زمن الوفرة، وهي قيمة أقل بكثير من التكلفة الحقيقية. ولكن المزارعين ليس لديهم خيارات كثيرة وقت وفرة المعروض، فلا بد من البيع ولو بخسارة ليتخلصوا من البضاعة. وإذا لم يفعل المزارع ذلك فسوف يضطر إلى التخلص منها بإتلافها وسط المزرعة، فتكون الخسارة أكبر. ولكن الذي لا نفهمه ولم نستطع هضمه هو إصرار منتجي البترول على إنتاجه بكميات تفوق كثيرا متطلبات السوق، مع أنه بإمكانهم الاحتفاظ بالفائض في مكامنه تحت الأرض واستخراج فقط ما يلبي الطلب وبيعه بسعر يتناسب مع أهمية هذه السلعة الاستراتيجية. البترول غير المنتجات الزراعية، التي هي سلع متجددة. فمن الممكن تأجيل عرض الفائض من البترول للبيع حسب رغبة صاحب هذه الثروة المؤقتة الثمينة. والإصرار على إنتاج أكبر كمية ممكنة منه هو الذي تسبب في تكون وإطالة عمر فائض الإنتاج الذي أودى بالأسعار إلى المستوى الحالي المتدني، بعد أن ظل فوق الـ100 دولار لبضع سنوات. وكان بإمكان المنتجين داخل منظمة أوبك وخارجها تدارك الوضع لاحقا وتخفيض الإنتاج بنسبة تعيد السعر إلى سابق عهده، مع ميزة الاحتفاظ بكميات هائلة من البترول للمستقبل. والذي حصل هو أنهم، بعد أكثر من سنة كاملة على بدء انخفاض السعر، اتفقوا، بعد لأي، على خفض بسيط في الإنتاج لم يكن كافيا لأكثر من منع تدهور الأسعار إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. ومهما حاولنا إيجاد مبرر لهذا التوجه من جانب المصدرين، وهو عدم الرغبة في كسب مزيد من الدخل مقابل بيع سلعة ناضبة، نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا.
وموجب العودة لهذا الحديث، هو النقاش المستديم حول أسباب استمرار وضع السوق البترولية الذي لا يخدم مصالح مصدري البترول. فلا تزال آراء المحللين تتضارب حول ما يعتقده الكثيرون من أن دول الإنتاج لا تريد سعرا عاليا يسمح بنمو إنتاج الصخري الأمريكي. ومحدثكم، مع فريق آخر من المحللين، لا نؤمن بهذا الفكر. وإن كان هذا الظن يعبر فعلا عن سياسة الدول المعنية تجاه الأسعار، فنحن نعتبره قصورا في الرؤية من جانبهم. وهذا المنطق يفترض أن الدول التي رفعت من إنتاجها ابتداء من منتصف 2014، وهو الوقت الذي بدأت تظهر فيه تخمة العرض، كانت تريد وقف نمو إنتاج الصخري، ومن ثم خفضه إلى أدنى مستوى ممكن. مع أنه يصعب علينا قبول فكرة أن خبراء البترول في معظم دول الإنتاج لا يدركون أن إنتاج الصخري نفسه قصير ومستقبله محدود، وله صفات خاصة به إذا قورن بإنتاج البترول التقليدي. ولذلك نستغرب أن تلك الدول أو بعضها كانت قد قبلت خفض دخلها بنسبة تزيد على 50 في المائة من أجل إيقاف مؤقت للصخري، وهو عائد إلى الساحة لا محالة. ناهيك عن الكميات الكبيرة من البترول التي تذهب هدرا بسبب رفع الإنتاج غير المبرر. ولا أحد يستطيع إقناعنا أن هذا منطق سليم. فغدا، وغدا عند ناظره قريب، عندما تتحسن الأسعار، يعود إنتاج الصخري إلى الارتفاع، وهو أمر وارد أو محتوم. فمن سيعيد للمصدرين ما فقدوه من دخل كبير خلال سنوات من الإنتاج ذهب إلى الأبد؟ وهل نصدق أن ذلك ما كان يقصده المنتجون، جماعة أو منفردين؟ مع أنه من النادر أن تسمع كلاما صريحا لأي من المسؤولين في دول التصدير حول هذا المعنى. ولكن المؤكد هو انتشار هذه الفكرة بذاتها بين وسائل الإعلام العالمية. ولذلك نحن نشك في صحة نسبتها إلى أي مصدر مسؤول. ولا يزال المغزى من اختيار نزول الأسعار على عودتها إلى سابق عهدها يشوبه كثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية.
خلاصة القول، إن إنتاج «الصخري» الأمريكي كان ضحية لهبوط الأسعار، الذي لم يكن متوقعا وصوله إلى مستوى ما دون الـ50 دولارا للبرميل. أو بالأحرى، هو لم يكن فقط ضحية لنزول السعر الذي فاجأ الكثيرين، بل وقع أيضا ضحية للإعلام الأمريكي الذي اعتبر إنتاجه معجزة العصر. فسماها ثورة البترول الصخري. وأحدث ضجة أكبر من حجمه. وتناسى صرف مئات المليارات من الدولارات، التي ذهب معظمها هدرا، لحفر عشرات الألوف من الآبار عن طريق إشغال أكثر من ألف جهاز حفر مع كامل المعدات الثقيلة المساندة، وعشرات الألوف من الأيدي البشرية، من أجل إنتاج أربعة ملايين برميل. وإنتاج الصخري حتى هذا اليوم يكاد يكون خاصية أمريكية. فليس من المتوقع أن تستطيع أي جهة أخرى خارج أمريكا الشمالية إنتاج البترول الصخري اقتصاديا عند أقل من ضعف السعر الحالي. ونستثني الأرجنتين وحدها التي نسمع أنها تنتج الآن 50 ألف برميل بترول صخري يوميا، مع اعتقادي غير المؤكد أن إنتاجها الحالي من «الصخري غير اقتصادي، أو أن طبيعة تكوين«الصخري» في الأرجنتين جيولوجيا أو عمق الآبار يختلف عن «الصخري» الأمريكي. ومع كل ما ينسب إلى «الصخري» الأمريكي من إيجابيات، فإننا لم نسمع حتى الآن ما يشير إلى أن شركات الإنتاج هناك تربح من عملياتها إلا في حالات نادرة. بل المؤكد أن معظمها قد تكبد خسائر كبيرة خلال السنوات العشر الماضية.