برنامج التوازن المالي والفرص والتحديات التي تواجه الشركات السعودية
في عام 2018 بدأت ملامح البرنامج الحكومي لتحقيق التوازن المالي وهو جزء من برنامج حكومي قد يمتد إلى عام 2022 أو 2023 بعد وجود قناعة حكومية إلى تمديد فترة تحقيق التوازن المالي من عام 2020 ليمتد لعامين أو ثلاثة، وبرنامج “التوازن المالي” هو جزء من “رؤية المملكة 2030” وبرنامج التحول الوطني 2020، كما أن برنامج التوازن المالي يهدف إلى رفع الدعم عن أسعار السلع والخدمات والطاقة والوقود والماء وتحرير أسعارها بما يتوافق مع مؤشرات الأسعار في الأسواق العالمية لهذه السلع باعتبار أن دعم هذه السلع مكلف بصورة كبيرة للميزانية الحكومية كما أنه يشجع على الهدر بصورة أكبر إضافة إلى توجيه الدعم أو جزء منه إلى غير المستحق كما أن أحد أكبر سلبيات الدعم هو ضعف حرص القطاع الخاص على الترشيد فيما يتعلق باستهلاك الموارد إذ إن تكلفة الترشيد تعتبر عالية مقارنة بتكلفة الاستخدام الاعتيادي للموارد.
اليوم يشهد القطاع الخاص تحديات كبيرة إضافة إلى فرص هائلة حيث إن التخفيف التدريجي للدعم أصبح اليوم هو التوجه الثابت والمستقر للحكومة في المملكة، إضافة إلى موضوع توطين الوظائف في القطاع الخاص الذي أصبح لازما لكثير من الوظائف إضافة إلى أن هناك خططا لزيادة نسبة التوطين بشكل تدريجي، كما أن القطاع الخاص سيواجه منافسة من قبل الاستثمارات الأجنبية التي يتوقع أن تتزايد في الفترة المقبلة خصوصا مع الانفتاح بصورة أكبر على الأسواق في العالم، ووجود فرص كبيرة داخل المملكة باعتبار أنها الاقتصاد الأضخم في المنطقة، كما أن موقعها الاستراتيجي والإنفاق الكبير على البنى التحتية جعلاها أحد أهم الخيارات للاستثمارات الأجنبية في المنطقة، وتحسّن البيئة التشريعية والتنظيمية سيزيد من فرص استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
في المقابل فإن الفرص كبيرة للقطاع الخاص في المملكة حيث إنه تم الإنفاق على التعليم بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية من خلال برامج الابتعاث والتوسع في إنشاء الجامعات في مختلف مناطق المملكة إضافة إلى أن التوسع في برامج التدريب التقني والمهني كان له أثر في وجود كفاءات عالية تدير الكثير من مؤسسات وشركات القطاع الخاص، كما أن النمو الجيد للاقتصاد والتحسن عموما في أسعار النفط والسعي الحكومي إلى استدامة واستقرار حجم الإنفاق إضافة إلى الإجراءات الحكومية التي تلتزم فيها بدفع مستحقات القطاع الخاص، كما أن انخفاض حجم التحويلات الخارجية وتحسن مستوى الدخل للأفراد إضافة إلى أن استقطاب الاستثمارات ووجود خطط لاستثمارات جديدة والانفتاح بصورة أكبر على مشاريع وبرامج جديدة مثل السياحة والترفيه والصناعات المتقدمة وتشجيع رواد الأعمال ودعم مشاريعهم الخاصة سيكون له أثر في وجود مشاريع نوعية وأن يشجع على تدفق أكبر للسيولة محليا إضافة إلى أنه سيقلل بشكل تدريجي من تسرب السيولة للخارج من خلال تحويلات القوى العاملة الأجنبية، إضافة إلى ارتفاع متوقع في حجم النشاط الاقتصادي داخليا سيجعل الفرص كبيرة للقطاع الخاص في المملكة.
عند وجود الفرص والتحديات يكون الأهم هنا الكفاءة في الأداء، وهو أحد أهم عوامل بقاء المؤسسات والشركات في القطاع الخاص، والكفاءة في الأداء تعتمد بصورة كبيرة على الكفاءات التي تدير القطاع الخاص خصوصا من كوادر القوى العاملة الوطنية فرغم ادعاء البعض أن كلفتها عالية إلا أن ذلك غير دقيق باعتبار مستوى التعليم الذي تتمتع به القوى العاملة الوطنية مقارنة بالقوى العاملة الأجنبية الحالية خصوصا التي تحظى بميزات مالية عالية، والعناية بالكفاءات في هذه المرحلة مهم جدا إذ إن استقطاب الكفاءات له دور كبير في مواكبة المتغيرات وزيادة كفاءة القطاع الخاص بما يحقق في نهاية الأمر عائدا أفضل واستدامة في النمو، إذ إن واقع كثير من مؤسسات وشركات القطاع الخاص يميل إلى البحث عن تقليل التكلفة في أجور العاملين وتخفيض الحوافز لهم قدر الإمكان باعتبار أن ذلك سيكون له أثر في تخفيض التكلفة التشغيلية إلا أن مثل هذا الإجراء في كثير من الأحوال ينعكس بصورة سلبية على تلك المؤسسات ويكون له أثر في ضعف كفاءة تلك المؤسسات. من الجوانب التي سيكون لها أثر في تحسين بيئة التجارة والصناعة والاستثمار بصورة عامة هو التحسن في البنية التحتية سواء للمدن الكبرى أو الصغيرة في مختلف مناطق المملكة إضافة إلى العناية بالمدن الاقتصادية والصناعية والتقنية اليوم أصبح لها أثر كبير في تخفيض التكلفة التشغيلية والتوظيف الأمثل للموارد في القطاع الخاص.
فالخلاصة أن التحولات باتجاه “رؤية المملكة 2030” وبرنامج التحول الوطني 2020، بدأت فعليا وسيكون لها أثر كبير في القطاع الخاص من خلال وجود مجموعة من التحديات والفرص التي يمكن أن تؤثر في القطاع الخاص سلبا أو إيجابا، والرهان سيكون اليوم على قدرة مؤسسات القطاع الخاص في استقطاب الكفاءات الوطنية والقدرة على تخفيض التكلفة التشغيلية والاهتمام بالتقنية واستغلال البيئة الافتراضية، إذ إن الطريقة التقليدية لممارسة النشاط الاقتصادي ستزيد معها التكلفة التشغيلية وفي الوقت نفسه ستضعف تنافسيتها.