حقوق الراغبين في التمويل السكني
ليس سرا أن هناك رغبة كبيرة في التوسع في التمويل السكني، وهذا معلن بشكل صريح في برنامجي الإسكان وتطوير القطاع المالي وأحد أهم مؤشراته مضاعفة حجم محفظة التأمين لتقفز من 250 مليار ريال إلى 500 مليار في 2020، وبدأت هذه الخطوة بتحويل جميع مستفيدي صندوق التنمية العقاري إلى جهات التمويل سواء المصارف أو الشركات المتخصصة في التمويل العقاري، كما أن منتج التمويل العقاري في برنامج سكني يعتمد على جهات التمويل في القطاع الخاص، كذلك ستعمل شركة إعادة التمويل التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة، على شراء محافظ التمويل السكني القائمة وبذلك ستعيد ضخ الأموال لسوق التمويل السكني ليتم تمويل دفعة جديدة بشكل أكثر تسارعا، ومع هذه الرغبة الشديدة في التوسع في التمويل العقاري الذي يعد أضخم وأطول التزام للأسرة في حياتها، يأتي سؤال مهم وهو، ما حقوق الحاصل على التمويل؟ وكيف نضمن عدالة عمليات وإجراءات التمويل السكني؟
لا شك أن للجهات الرسمية دورا رقابيا مهما لتكون وسطا بين مقدمي الخدمات من القطاع الخاص والأفراد المستفيدين من المنتجات والخدمات، وفي موضوع التمويل السكني تبرز أهمية دور مؤسسة النقد السعودي كجهة مشرعة ومنظمة ومراقبة على جهات التمويل العقاري، ولذلك يتوقع منها عديد من الإجراءات والتعليمات التي تجعل عملية التمويل السكني منصفة لكلا الطرفين، وتتأكد من أن الأسرة التي تلتزم بهذا النوع من التمويل الطويل المدى على معرفة واطلاع وثيق بما تلتزم به من دون جهل أو غرر.
الحقيقة أن التعميم المعنون بـ"تعليمات إلزامية عند تقديم منتج التمويل العقاري للأفراد" الذي صدر أخيرا من مؤسسة النقد يضمن شيئا من هذا وفيه تعليمات مهمة تضمن حقوق الراغب بالتمويل، تجعله أكثر دراية وقدرة على اتخاذ قراره بشكل متأنٍ وبوضوح:
- وضحت الفقرة 1 من التعميم بأن على الممول دراسة طلب التمويل بشكل وافٍ والتأكد من إمكانية العميل من الالتزام بأقساط التمويل، وهذا جيد لكنه ليس كافيا لحماية العملاء حيث من المفترض أن يكون هناك حد أعلى لنسبة الاستقطاع من الراتب الشهري لجميع عمليات التمويل بما في ذلك التمويل السكني، وهذا معمول به في بعض الدول حماية للمقترض وللنظام المالي، مثل ألا يزيد استقطاع الأقساط لجميع أنواع التمويلات على 50 في المائة من إجمالي الدخل الشهري.
- ركزت الفقرة 2 بأن يبذل موظف المبيعات أقصى جهده في توضيح تفاصيل التمويل ومقدار الالتزامات والمخاطر التي من الممكن أن يتعرض لها العميل، كذلك بينت الفقرة 4 وجوب إحالة العميل لمستشار ائتمان مختلف عن موظف المبيعات ليوضح له كافة تفاصيل الاتفاقية ويتأكد من أن العميل يفهم تماما ما تم عرضه عليه، مثل أن يوضح له آلية تغير الأقساط في حال كانت مرتبطة بمؤشر مثل "السايبر"، وغيرها من الشروط والأحكام المؤثرة في التعاقد، وهنا أقول إننا لسنا بحاجة إلى هذا الإجراء في حال تم تأهيل مهنيين يعرفون بوسطاء أو مستشاري التمويل السكني، بحيث يكون لديهم الوعي الكافي بمنتجات التمويل السكني وعليهم قيود وأحكام ومعايير ممارسة وأخلاقيات يجب أن يلتزموا بها، وهذا واقع نشهده اليوم في مهنة التقييم العقاري التي أصبح المنخرطون فيها أكثر حرصا وانضباطا لأن هناك معايير مهنية وأخلاقية تحكمهم كما أنهم أكثر وعيا لأداء المهمة بسبب الدورات التعليمية التي تؤهلهم للتوصل إلى نتائج دقيقة.
- الفقرة 3 تطرقت لما يجب على الممول أن يقدمه للعميل في حال تم الاتفاق على عرض محدد، حيث يجب أن يكون العرض صالحا لمدة 15 يوما على الأقل، يتسلم فيها العميل نسخة طبق الأصل من عقد التمويل الذي سيبرمه مع الممول مع كافة مرافقه التي توضح مثلا جدول السداد للتمويل بأقساط شهرية، ويمكن خلال سريان العرض أن يقوم العميل بالتشاور مع محامين أو متخصصين وكذلك يلتقي بالمستشار الائتماني الذي يوفره له الممول، كما يجب أن يقوم البنك بتوقيع العميل على إقرار بأنه يقبل كافة المخاطر الائتمانية مثل وجود شرط التغير في الأقساط في حال كان هامش الربح مرتبطا بالسايبر.
الخلاصة، من المهم أن يعي الراغب بالتمويل هذه الحقوق حتى يطالب بها جهات التمويل، وتشكر مؤسسة النقد على ما قدمته في هذا التعميم من حقوق متعلقة بالعميل، لا سيما ما يختص بتزويد العميل بكافة المستندات ليقوم بمراجعتها وأخذ المشورة بخصوصها، لكن تبقى أنها لا تفي بمتطلبات المرحلة القادمة التي سيكون فيها توسع كبير في عمليات التمويل السكني ودخول شريحة كبيرة من الأسر في هذا النوع من التعاقدات طويلة المدى التي تستقطع جزءا كبيرا من الدخل الشهري، حيث يجب التركيز على تأهيل الكوادر البشرية لتكون مسؤولة وأكثر قدرة على توعية الراغبين بالتمويل، كما يجب وضع سياسة للحد الأعلى للاستقطاع من الراتب الشهري لجميع أنواع التمويلات حتى نضمن الحد الأدنى من التعثر والضغط على رب الأسرة بشكل يجعله غير قادر على الوفاء بالالتزامات الأسرية ومتطلبات الحياة المالية، وأخيرا لا بد من ضبط منهجية التقييم للتمويل السكني، واتباع طريقة المقارنة بالمبيعات المشابهة للوحدات السكنية بدلا من التكلفة، وذلك لكيلا تتأثر الوحدات السكنية بالمضاربة التي تحصل على الأراضي.