العقوق التجميلي

تعريف العقوق شرعا هو: كل فعل أو قول يتأذى به الوالد من ولده.
تعتقد بعض بناتنا أن العقوق متعلق بأمور الدين "الصرفة"، وهذا تحجير لمعنى العقوق الأشمل. يكاد يتكرر مشهد شبه أسبوعي في عيادتي، وهو أن تحضر الأم المسنة ومعها ابنتها وهي في عمر المراهقة، "وأحيانا تكون هذه الابنة الصغيرة هي آخر العنقود، أو ما يسمى القعدة، ويقول العامة عندنا "القعدة حبها رعدة"، والمشهد باختصار أم كبيرة في السن، وبمصطلح بعض المراهقات "دقة قديمة"، وبنت متوسطة الجمال في مقتبل العمر وتبحث عن كمال الجمال مبكرا، والأم تعتقد أن ابنتها كاملة الجمال، والبنت تعتقد أنها معدومة الجمال، فتبدأ بنتنا في البحث عما يكمل جمالها، وبمجرد أن تدخل قنوات التواصل الاجتماعي التجميلية حتى يظهر لها كل مسوق، سواء كان طبيبا أو صيدلانيا أو غيرهما ممن يكون همهم الأول والأخير الحصول على المال وليس نشر المعلومة الطبية الصحيحة. والمشكلة أن مصدر المعلومة التجميلية في مواقع التجميل مجهولة المصدر تكون تجارية أكثر من أنها طبية. ويصبح الصباح وبنتنا قد تشبعت من أفكار تجميلية، هدفها الأول والأخير مادي. ثم تبدأ المرحلة الثانية، وهي إقناع الأم بأن توافق على عمل تلك العمليات، وغالبا ما ترفض الأم خوفا على ابنتها من التشوه والمضاعفات، وتبدأ المناكفات العائلية، إصرار عاطفي مزعج من البنت لأمها، ونسيت هذه البنت أن قلب الأم دليل خير لها، وإصرارها بمنزلة بداية العقوق التجميلي، حيث إنها ألحت على أمها حتى وافقت بشرط موافقة طبيب التجميل، ثم ينتقلون إلى مرحلة البحث عن الطبيب، فالأم تبحث عن الصادق والأمين، والبنت يجذبها من النت من له شهرة وظهور إعلامي أكثر، وهذه ليست الطريقة الصحيحة في اختيار الطبيب، وبعد عدة أيام يتفقان على الذهاب لأحد الأطباء بعد موافقة الأب، الذي دائما ما يوافق على أي شيء فيه فائدة لابنته حتى إن كانت هناك كلفة مادية عليه. "جزا الله والدينا عنا كل خير".
تم تحديد الطبيب "هو أنا"، والموعد وقبل الموعد بعدة أيام دخلت عليّ والدتها وطلبت مني ألا أوافق على إجراء أي عملية تجميل لبنتها، "وكان لي تحفظ على هذه الطريقة". وحضرت بعد عدة أيام الوالدة والبنت، ولم تعجبني شخصية البنت، حيث إنها دخلت العيادة قبل أمها، وجلست قبل إجلاس أمها، وتحدثت دون إذن أمها، حتى إنها لم تسأل عن السعر، بل بادرت بكلمة "أبي أنفخ شفايفي يا دكتور الآن". ولم تسألني: هل أحتاج أم لا؟ فكانت عندها شحنة اندفاعية عاطفية تجميلية خاطئة. ترددت كثيرا في كيفية التعامل مع مثل هذا الموقف، وأعرف أن منبري صحي وليس شرعيا، ووجدت أن الأفضل في هذه المرحلة أن أتقمص دور الأب الصحي، فقلت لها كطبيب شفتاكي لا تحتاج إلى أي حقن، ووضحت لها الأسباب الطبية. وقلت لها إنه ليس كل تغيير للشكل يعتبر جمالا، أحيانا يكون سببا في التشويه، وبعد إجابتي عن جميع أسئلتها أحسست بعدم الرضا من قبلها، ووضحت لها أن من مصلحتي المادية هو أن أعملها، ولكن بسبب حرصي على عدم تشويهك رفضت، وقبل خروجها من عيادتي نصحتها نصحية الأب، وقلت لها: إن من حقك أن تتجملي، ولكن خذي نصائحي:
1 - إصرارك على والدتك لحقن الشفاه وموافقتها على مضض بداية العقوق التجميلي.
2 - سلوكك بالدخول قبل والدتك ومقاطعتك حديثها أيضا من العقوق التجميلي.
3 - عدم سؤالك أو اكتراثك بقيمة الحقن؛ لثقتك بموافقة والدك مقدما رغم أنه قد يكون يعاني صعوبات مالية، كان الأولى مراعاة حاجة والدك المالية على ترفك التجميلي غير الضروري.
4 - تذكري أن بركة البنت هي في قلة مصروفاتها.
5 - تعلمي القناعة في الجمال، ولا يكون همك التغيير من شكلك.
6 - لا تكوني ضحية طبيب "مستعجل" سبّب تشوها دائما لمراهقة أزعجت أمها بالإلحاح، وأحرجت والدها "الطيب" ماديا "رغم معاناته المادية"، وأرضت كبرياءها التجميلي الخيالي، والنتيجة تشوه شبه دائم، وكلما نظرت إلى نفسها في المرآة ندمت على عقوقها التجميلي.
الآلية الصحيحة لعمل أي عملية تجميل هي: تبدأ بفكرة تجميلية تعقبها قراءة من مصادر العلم الصحيحة، ثم استخارة لله، ثم استشارة الوالدة، ثم استشارة الوالد للدعم المادي وعدم إحراجه لكثرة التزاماته المادية، ثم الحرص على اختيار الطبيب العالم الأمين، وهذا من أصعب المراحل؛ لأن تقييم الطبيب يجب ألا يكون فقط عن طريق كثرة ظهوره الإعلامي أو في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما بشهاداته العلمية وأبحاثه وذكر المرضى له.
بناتنا حكِّموا عقولكم قبل عواطفكم التجميلية.
"برّوا آباءكم تبركم أبناؤكم".

استشاري الأمراض الجلدية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي