الخلطة السحرية مع كل مرض
الحياة تحتاج إلى حكمة في التعامل مع مشكلاتها.
تجد المشكلة نفسها عند إنسان نظرته إيجابية في الحياة، يقلبها إلى أمر إيجابي يفرح به، والآخر من المشكلة نفسها ونظرته سلبية، تجعله تلك المشكلة مكتئبا ومكبلا اجتماعيا.
سأضرب مثالا واقعيا من عيادتي اليومية؛ مريض بهاق يأتيني مبتهجا، وآخر مكتئبا، مع أنه المرض نفسه.
المريض الأول "المبتهج" نجد أنه يفرح بأي ابتلاء له، ويتعامل معه إيجابيا، وهو يعتقد أن الله إذا أحب عبده ابتلاه؛ لأن المبتلى يدعو الله ليل نهار أن يذهب الله الابتلاء، والدعاء قرب إلى الله بطريقة غير مباشرة، تحيطه السنن الكونية الإلهية، التي هي ليست كقوانين البشر، فلله في خلقه شؤون.
ودائما يحسن الظن بربه عند أي ابتلاء، ويشكر الرحمن مستشعرا قوله تعالى في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي...".
وهو يستشعر قوله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"، ويعلم أن في أعلى ظهره عداد الصبر، كلما شكر الله على الابتلاء، عده الله من الصابرين، وزادت أميال عداد الصبر، ويعلم أن الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره ينقصان الأجر، ولا يفيدان في علاج المرض، بل إن بعض الدراسات تقول إن الذي يتفاعل إيجابيا مع مرضه، ويكون من أصحاب النفوس المطمئنة، يزداد عنده هرمون يساعد على الشفاء. إذن، الصبر يفيد في الدنيا والآخرة، لكن لمن يستطيع التغلب على أعمال قلبه السلبية، وليس صحيحا دائما أن الطبع يغلب التطبع، ولنتذكر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ"، فالإنسان يستطيع أن يغير طبيعة قلبه السلبية.
إذن، هو سعيد في كل حالاته، في السراء والضراء، ودائما يقول: "رب ضارة نافعة"، "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، ويتذكر قصته مع مرض البهاق حينما أصابه في المرحلة الثانوية، وجعله يتحدى ظروفه الصعبة، وتهيجت عنده جينات التحدي، ويثبت للجميع أنه الأول عليهم رغم بهاقه، وكان له ذلك، ما جعله يدخل كلية الطب، ويصبح أيضا الأول على دفعته مع مرتبة الشرف الأولى. كان سبب تفوقه هو مرض البهاق، فجعل من نقطة ضعفه - بحسب ما يعتقد الآخرون - نقطة نجاح، وقصته باختصار: أحبه الله فابتلاه، فشكر ربه وصبر، وظفر بخيري الدنيا والآخرة.
أما صاحبنا الآخر، فحين أصابه البهاق، جزع منه، وتفاعل تفاعلا سلبيا، واعتزل الناس، وتركه الناس، وتقوقع على نفسه وفي غرفته، يحاكي الناس عن بعد بواسطة برامج التواصل الاجتماعي، وليست عنده من الثقة بنفسه ما تجعله يقابلهم، فكانت قدراته الدراسية والاجتماعية ضعيفة، فنتج عن ذالك فشل في الدنيا، وسوء ظن بربه - بطريقة غير مباشرة -؛ لأنه أحيانا كأنه يريد أن يعترض على القدر، ولسان حاله يقول: لماذا أنا الذي اُبْتَلى بالبهاق؟ ويتشكى عند الناس عن مرضه، ويتضجر منه، ويبرر كل فشله وأخطائه؛ بسبب مرضه، فخسر الدنيا والآخرة.
وليتذكر أن "أشد الناس بلاء هم الأنبياء"، وكلنا يذكر قصة نبينا أيوب - عليه السلام - في مرضه الجلدي؛ حيث نفر منه الناس خوفا من عدوى مرضه، وكان ديدنه الصبر "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"، فشفاه الله، وأعطاه من خير الدنيا والآخرة.
نصيحتي لكل من يواجه مصاعب في حياته، أن يكون ذكيا في التعامل معها، ويحتسب أجر الابتلاء، ويصبر ويشكر، ويطلب من الرحمن زوالها، وفي الوقت نفسه يأخذ بالأسباب، ويحاول التغلب على تلك المصائب، أو علاج الأمراض بأفضل الطرق المتاحة له، "فيعقلها ويتوكل".
المرض أحيانا يحتاج إلى حكمة في التعامل معه، وصبر وشكر، وعليه أن يعتقد أن الله هو منزل ومُذهِب البأس "بجانب البحث عن علاج".
أخيرا، اقرأوا عن الصبر... فإنه حياة.