سرعات الاقتصاد السعودي المتنوعة
يتمتع الاقتصاد السعودي بعديد من مكامن القوة، بعضها قطاعات مستغلة وناضجة، والآخر في طور التطوير. يمكن تشبيه هذه القطاعات المتعددة بتروس لمحرك مختلفة الأحجام، الأمر الذي يمكن الاقتصاد السعودي من تعديل سرعات نموه كيفما دعت الحاجة. لكن لضمان سلاسة حركة كل التروس مجتمعة، وبالتالي محرك الاقتصاد ككل، من الضروري أن تتناغم حركتها دون تحميل أحد القطاعات أكثر مما يطيق، أو حتى جعله ينمو بوتيرة أسرع من قدرة النشاط الاقتصادي على استيعاب هذا النمو. حصل هذا سابقا بشكل محدود في الطفرات النفطية. فمع أنها كانت السبب وراء التنمية الشاملة والبنية التحتية الكبيرة التي أنجزت، إلا أنها تسببت أيضا في توسع الاقتصاد في اعتماده على العمالة الرخيصة، ما بات يضغط على عملية توليد الوظائف في الوقت الراهن.
تقرير صندوق النقد الإيجابي أثنى على الإصلاحات التي تعمل عليها المملكة ومستوى الشفافية في موازنتها العامة، وكذلك فقد رفع من توقعاته لنمو الناتج المحلي نتيجة هذه الإصلاحات. بينما شدد على ضرورة استمرار الحكومة السعودية في نهجها المحافظ في النفقات العامة، والاتجاه إلى الادخار في حال تحقيق فوائض في المستقبل. يمكن لمس هذه السياسة فعلا في كفاءة الإنفاق الحكومي وعملية ترشيده الجارية، حتى بات الالتزام بما يتم رصده في الميزانية هو الصفة السائدة، وكذلك نجد اهتماما عاليا بالقطاعات الجديدة قيد التطوير، عن طريق التركيز على الإنفاق الرأسمالي على المشاريع من عدة مصادر، خصوصا الدور الذي يتولاه صندوق الاستثمارات العامة في هذا الإنفاق، الذي لا يتم رصده ضمن إنفاق الحكومة في الميزانية. تصريح وزير الطاقة أن طرح "أرامكو" سيتم وفقا لخطط وحاجة الحكومة يعد مثالا على التوازن المطلوب بين عملية تنمية مختلف القطاعات. فمع عودة الاقتصاد السعودي للنمو، ورفع توقعات النمو للعام المقبل، فإن الاحتياجات التمويلية للقطاعات الاقتصادية قيد التطوير يمكن تلبيتها ذاتيا. ذلك أنها ما زالت في مراحلها الأولية ولا تتطلب إنفاقا كثيفا على المدى القصير. هذا إلى جانب التقدم الحاصل في الترس الأهم لمحرك الاقتصاد السعودي، وهو الاستهلاك المحلي. فالتوقعات تشير إلى تحقيق أرقام أفضل من المرصود من ضريبة القيمة المضافة، التي تعمل بدورها على رفع كفاءة الاقتصاد وتمويله ذاتيا، حيث توجه حصيلتها إلى مشاريع تنموية قادرة على رفع الناتج المحلي. كل ذلك إلى جانب عامل المحتوى المحلي الذي سيضاعف نتيجة أي من المشاريع التنموية وأثرها في الناتج المحلي الإجمالي.
بهذه الطريقة يمكن الاستمرار بتعديل الاعتماد على مختلف التروس حتى الوصول إلى التشغيل الكامل للاقتصاد السعودي، بما يحقق لها الريادة الاقتصادية على مستوى العالم. ويتم بذلك تنويع مصادر الدخل والانتقال بسلاسة إلى اقتصاد ما بعد النفط، وإيجاد بيئة اقتصادية مستدامة ومتوازنة.