قبول وتوزيع منتجات برنامج سكني
انتهى المقال السابق "النسبة الإجمالية لقبول منتجات برنامج سكني" إلى قيام وزارة الإسكان، بإعلان توزيع أكثر من 465.1 ألف منتج خلال 19 شهرا من شباط (فبراير) 2017 حتى منتصف آب (أغسطس) 2018، وستستكمل الأشهر الأربعة المتبقية منه حتى نهاية العام الجاري.
وحسبما أشير في المقال السابق، تم الحديث حول الجانب الأول، ممثلا فيما يتعلق بمعدل أو نسبة قبول المستفيدين لتلك المنتجات، لمعرفة درجة النجاح المتحققة للبرنامج، وهل تمكن من تحقيق أهدافه أم لا؟ وأهمية دراسة وبحث أسباب انخفاض معدلات القبول إن وجدت، لتجاوزها في البرامج المقبلة للإسكان. جاءت نتيجة طرح هذا السؤال المحوري أقل بكثير مما كان مأمولا، حيث لم تتجاوز نسبة قبول المواطنين المستفيدين لتلك المنتجات حتى نهاية الدفعة الأخيرة سقف 42.2 في المائة "نحو 196.4 ألف منتج سكني من إجمالي 465.1 ألف منتج تم الإعلان عنها"، مقابل نسبة عدم قبول المواطنين من إجمالي المنتجات بلغت 57.8 في المائة، أي أعلى من 268.7 ألف منتج سكني.
وسيستكمل الحديث هنا عن الجانب الثاني، المتعلق بتوزيع منتجات البرنامج حسب المناطق والمدن، لمعرفة كيف واجه البرنامج احتياجات ومتطلبات طالبي السكن من المواطنين حسب كل منطقة، نظرا لاختلاف أشكال أزمة تملك المساكن بين المناطق المختلفة، وأهمية التعرف على كيفية تعامل البرنامج مع تلك التحديات في المناطق الرئيسة تحديدا "الرياض، مكة المكرمة، الشرقية".
أظهر التوزيع حسب المناطق والمدن للوحدات السكنية الجاهزة (12.8 ألف وحدة "2.8 في المائة من الإجمالي")، احتلال منطقة الرياض المرتبة الأولى بنحو 2.6 ألف وحدة "20.6 في المائة من إجمالي الوحدات الجاهزة"، تلتها المنطقة الشرقية بنحو 1.6 ألف وحدة "12.6 في المائة من إجمالي الوحدات الجاهزة"، وثالثا منطقة جازان بنحو 1.4 ألف وحدة "11.2 في المائة من إجمالي الوحدات الجاهزة".
أما على مستوى توزيع الوحدات السكنية تحت الإنشاء (171.6 ألف وحدة "36.9 في المائة من الإجمالي")، فقد احتلت منطقة مكة المكرمة المرتبة الأولى بنحو 65.8 ألف وحدة "38.3 في المائة من إجمالي الوحدات تحت الإنشاء"، تلتها منطقة الرياض بنحو 37.2 ألف وحدة "21.7 في المائة من إجمالي الوحدات تحت الإنشاء"، وثالثا المنطقة الشرقية بنحو 33.7 ألف وحدة "19.6 في المائة من إجمالي الوحدات تحت الإنشاء"، ليصل إجمالي ما تم الإعلان عنه للمناطق الرئيسة الثلاث إلى 136.6 ألف وحدة "79.6 في المائة من إجمالي الوحدات تحت الإنشاء".
أما على مستوى توزيع الأراضي السكنية (129.4 ألف قطعة أرض "27.8 في المائة من الإجمالي")، فقد احتلت منطقة مكة المكرمة المرتبة الأولى بنحو 33.9 ألف قطعة أرض "26.2 في المائة من إجمالي الأراضي"، تلتها منطقة جازان بنحو 21.2 ألف قطعة أرض "15.6 في المائة من إجمالي الأراضي"، وثالثا منطقة عسير بنحو 18.9 ألف قطعة أرض "14.6 في المائة من إجمالي الأراضي"، ووصل إجمالي ما تم الإعلان عنه للمناطق الرئيسة الثلاث إلى 49.8 ألف قطعة أرض "38.5 في المائة من إجمالي الأراضي".
أخيرا على مستوى توزيع التمويل السكني المدعوم (151.4 ألف قرض تمويلي "32.5 في المائة من الإجمالي")، فقد احتلت منطقة الرياض المرتبة الأولى بنحو 43.2 ألف قرض تمويلي "28.6 في المائة من إجمالي التمويل السكني"، تلتها منطقة مكة المكرمة بنحو 23.7 ألف قرض تمويلي "15.6 في المائة من إجمالي التمويل السكني"، وثالثا المنطقة الشرقية بنحو 18.5 ألف قرض تمويلي "12.2 في المائة من إجمالي التمويل السكني"، ووصل إجمالي ما تم الإعلان عنه للمناطق الرئيسة الثلاث إلى 85.4 ألف قرض تمويلي "56.4 في المائة من إجمالي التمويل السكني".
يكشف التوزيع المناطقي أعلاه؛ تركز كل من الوحدات تحت الإنشاء والتمويل السكني المدعوم في المناطق الرئيسة، فيما استحوذت المناطق الأخرى غير الرئيسة - باستثناء مكة المكرمة - على الحصص الأكبر من توزيع الأراضي، التي حلت منطقة الرياض في سلم ترتيبها في المرتبة السادسة بنحو 7.4 ألف قطعة أرض "5.7 في المائة فقط من إجمالي الأراضي"، وهو ما أدى لاحقا إلى تراجع نسب قبول المواطنين في المناطق الرئيسة "الرياض، مكة، الشرقية" مجتمعة إلى 40.1 في المائة من إجمالي المنتجات، مقابل نسبة رفض 59.6 في المائة من إجمالي المنتجات، فيما حلت منطقة الرياض في المرتبة الأخيرة على مستوى المناطق كافة من حيث نسبة القبول، وصلت إلى 32.5 في المائة فقط من إجمالي المنتجات المعلن عنها في المنطقة، مقابل نسبة رفض عالية بلغت 67.5 في المائة من إجمالي المنتجات المعلن عنها في المنطقة.
أن تأتي المناطق الأكثر معاناة من أزمة تملك المساكن في المراتب الأولى من حيث نسب رفض المنتجات، والأدنى من حيث نسب القبول، فلا شك أن هذا يعني وجود خلل جوهري في صلب آلية البرنامج، ما يقتضي بدوره العمل فورا على سرعة معالجته، وهو خلل ظاهر وواضح لا يحتاج إلى بذل جهود مكلفة لاكتشافه! ذلك أن المناطق الرئيسة التي تعاني أشكال الأزمة أكثر من غيرها، والمتمثلة في ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية، تم التعامل معها وفق آلية البرنامج بما يغذي ويعزز أسباب ارتفاع الأسعار لا أن يكبحها ويعمل على خفضها.
حيث ستؤدي زيادة خيارات ومنتجات التمويل في تلك المناطق إلى إضعاف وتيرة انخفاض الأسعار. وما تحتاج إليه الأسعار المتضخمة لتبقى كذلك أو حتى ترتفع مرة أخرى، هو ضخ مزيد من التمويل "يشبه سكب مزيد من البنزين على نار مشتعلة". وأسهم أيضا في تعقد المشكلة؛ أن أردفت وزارة الإسكان ذلك الأمر بارتفاع تركز المنتجات تحت الإنشاء في ذات المناطق، سيتم التعاقد على تنفيذها وفق الأسعار الراهنة في السوق، التي كما هو معلوم تعد مرتفعة ومكلفة جدا، في الوقت ذاته الذي لم تشهد فيه تلك المناطق الرئيسة ضخا كافيا من الأراضي "باستثناء منطقة مكة المكرمة"، ولهذا جاءت نسب القبول أدنى من غيرها في تلك المناطق مقارنة بغيرها من المناطق، تحديدا في منطقتي الرياض والشرقية.
إن مراجعة وإعادة دراسة عديد من الخيارات المتاحة واليسيرة المتوافرة في الوقت الراهن لدى وزارة الإسكان، كفيلة - بإذن الله تعالى - أن ترفع كثيرا من معدلات نجاح برنامج سكني، والوصول به إلى معدلات تسهم فعلا في حل أزمة الإسكان لدينا، وهو ما سيتركز عليه الحديث بالتفصيل - بمشيئة الله تعالى - في الجزء المقبل. والله ولي التوفيق.