هيلين ألكساندر .. وأهداف التنمية المستدامة
لقد تركت هيلين لدى كل منا ذكريات وصورا وكلمات باقية. فكيف يمكن أن نصفها؟ من الكلمات التي أسمعها كثيرا قولهم إنها حادة الذكاء، ودؤوبة، ومدققة، وبراجماتية، ومثابرة، وشديدة التفاني. وأسمع أيضا أنها رحيمة، وعادلة، ومهذبة للغاية، ومرشدة رائعة: نموذج يحتذى وشخصية دائما ما تضع العلاقات الإنسانية قبل كل شيء، سواء على مستوى الأسرة أو الأصدقاء. وكلنا مدين لهيلين، لأنها أعطت الكثير. وأنا شخصيا مدينة لها لأنني خذلتها ذات مرة. وحين تأملت هذه المجموعة المزدوجة من الفضائل المرتبطة بهيلين -وفي ذهني بعض التحديات العالمية الأكثر إلحاحا، التي كانت هيلين حريصة على تتبعها عن كثب- رأيت أنه من الملائم التركيز في كلمتي على أهداف التنمية المستدامة SDGS التي اعتمدها المجتمع الأممي في 2015 خريطة طريق للسياسات حتى نهاية 2030.
فأهداف التنمية المستدامة تحدد معالم العالم الذي ننشده، بل نحتاج إليه - عالم خال من الفقر والحرمان؛ عالم أكثر إنصافا؛ عالم يحترم الحدود الطبيعية. إنها تمثل المبادئ الخمسة التي تبدأ كلماتها الإنجليزية بالحرف P: الرخاء والناس وكوكب الأرض والشراكات والسلام.
أهداف التنمية المستدامة هي الاستجابة الصحيحة لمواجهة التحديات الكبرى في القرن الـ 21، الترياق الصحيح لعلاج فقدان الثقة بكل أنواع المؤسسات، وكذلك فقدان الإيمان بأهمية التعاون العالمي في بعض البلدان. لكن المشكلة هنا هي أن تحويل الطموحات إلى خطط عملية ليس بالأمر الهين. إذ إنه يتطلب تلك الخصال التي عرفت بها شخصية هيلين - الطابع العملي المقترن بالسلوك اللائق.
إن جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة هو جدول شامل لكل شيء. وسيكون تركيزي اليوم على نطاق أضيق، حيث أتناول المساحة المشتركة بين أهداف التنمية المستدامة والمهمة المنوطة بصندوق النقد الدولي في تحقيق الاستقرار والرخاء الاقتصاديين على مستوى العالم بصورة تجمع بين الاستدامة واحتواء الجميع. وعلى وجه التحديد، سأتناول أربعة أبعاد: (1) الاقتصادي - مساعدة البلدان منخفضة الدخل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ (2) الاجتماعي - أهمية الإدماج والإنصاف؛ (3) البيئي، معالجة تغير المناخ؛ (4) الحوكمة - الأهمية المركزية للمؤسسات القوية.
1 ـ البعد الاقتصادي:
اسمحوا لي أن أبدأ بالبعد الاقتصادي - حيث أود التركيز على التحديات الخاصة التي تواجه البلدان منخفضة الدخل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
لننظر في بعض الحقائق. هناك أكثر من مليار نسمة انتزعوا أنفسهم من براثن الفقر المدقع منذ عام 1990، في سياق زيادة الاندماج العالمي. إنه إنجاز هائل غير مسبوق على مدار التاريخ الإنساني. ومع ذلك، فهناك قرابة 800 مليون نسمة لا يزالون يرزحون تحت وطأة الفقر المدقع حتى اليوم.
وفي مجال الصحة أيضا، انخفضت وفيات الأطفال بمقدار النصف مقارنة بعام 1990، بإسهام كبير من الأهداف الإنمائية للألفية التي جاءت أهداف التنمية المستدامة خلفا لها. ولكن، رغم هذا الانخفاض الكبير، فإن قرابة ستة ملايين طفل لا يزالون يموتون كل عام قبل بلوغ عامهم الخامس - وكل الحالات تقريبا يمكن إنقاذها بتدخل طبي بسيط.
وينطبق هذا على التعليم -تقدم كبير، مع فجوات كبيرة باقية. ففي إفريقيا جنوبي الصحراء، نحو خمس الأطفال في سن التعليم الابتدائي غير ملتحقين بالمدارس. وكثير من الملتحقين بالمدارس لا يتعلمون. فعلى مستوى العالم، 58 في المائة من طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية - أي 617 مليون طفل - غير ملمين بأساسيات القراءة والرياضيات.
وطبقا لمنظمة اليونسكو، يمكن تخفيض الفقر بمقدار النصف إذا استكمل الجميع تعليمهم الثانوي. وفي ضوء ما نعرفه عن مستقبل العمل، كيف يمكن لأحد أن يزدهر في الاقتصاد الحديث دون تعليم ثانوي على الأقل؟
وكما قال هربرت جورج ويلز ذات مرة "يتحول التاريخ الإنساني أكثر فأكثر إلى سباق بين التعليم والكارثة". ويمكن أن أقدم حججا مماثلة عن الآثار الاقتصادية لعدم إتاحة ركائز مادية أخرى يقوم عليها الازدهار البشري - الرعاية الصحية، والمياه النظيفة والمرافق الصحية، والطاقة النظيفة، وتوافر التمويل لمساعدة الناس على حماية أنفسهم وشق طريقهم بنجاح. أعلم أن هيلين كانت شغوفة للغاية بهذه القضايا. كانت تدرك الأهمية البالغة للتعليم الذي يركز على مواجهة التحديات الحديثة، وتجد متعة في أداء دورها كرئيس لجامعة ساوثهامبتون. كانت تحب رؤية الحماس على وجوه الخريجين وهي تسلمهم شهادات التخرج. وفي مجال الرعاية الصحية أيضا، كانت فخورة بمركز دراسات المناعة من السرطان في ساوثهامبتون. وكانت تشارك بالجري سنويا في سباق "ريس فور لايف" منذ عام 2002 حتى في 2015 عشية إجرائها جراحة خطيرة. وحين كانت تعلم بمرض شخص تعرفه، كانت تبادر دائما بزيارته في المستشفى.
ونحن في الصندوق نقدر أهمية رأس المال البشري للنمو والتنمية. ونحن ملتزمون بدعم أهداف التنمية المستدامة هذه من خلال تقديم المساعدة في الجانب الاقتصادي الكلي.
وعلى وجه الخصوص، نقوم بتقدير احتياجات الإنفاق في خمسة قطاعات أساسية - التعليم، والصحة، والمياه والمرافق الصحية، والطرق، والكهرباء - لكل من الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، كما نستكشف الحلول الممكنة للتمويل.
وسأقدم هذه النتائج في جلسة خاصة تعقدها الأمم المتحدة دعا إليها جوتيريس الأمين العام. ولن أستبق النتائج هنا، لكنني سأقول إن سد احتياجات الإنفاق الإضافي في البلدان منخفضة الدخل بشكل خاص سيتطلب شراكة قوية بين كل الأطراف المعنية - البلدان نفسها، وكذلك المانحون الرسميون، وجهات العمل الخيري، ومؤسسات التمويل الخاص. وأنا متفائلة بإمكانية تحقيق هذا الهدف.
غير أن هناك بعض التعقيدات الإضافية التي يتعين التصدي لها. فالحاجة إلى زيادة الإنفاق في البلدان منخفضة الدخل تأتي في وقت تبدو فيه ديونها متزايدة الخطورة - إذ إن 40 في المائة من هذه البلدان أصبحت شديدة التعرض لبلوغ مرحلة المديونية الحرجة أو أنها لا تستطيع خدمة ديونها بالكامل، بعد أن كانت هذه النسبة 21 في المائة منذ خمس سنوات. وفوق ذلك كله، يزداد اقتراض البلدان منخفضة الدخل بشروط غير ميسرة، ما يزيد من تكاليف خدمة الدين. وإذا كان تنفيذ أهداف التنمية المستدامة بمنزلة سباق، فلا شك أنه سباق متزايد الصعوبة.