الحوكمة الرشيدة وأهداف التنمية المستدامة
من ضمن الركائز لأهداف التنمية المستدامة هي الحوكمة الرشيدة. والحوكمة في الواقع هي الركيزة التي ينبني عليها كل شيء. فإذا كانت المؤسسات ضعيفة، تصبح احتمالات نجاح أهداف التنمية المستدامة أقل بكثير؛ ولذلك تدعو هذه الأهداف إلى "مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات".
وينطبق هذا على الجميع؛ القطاعين العام والخاص، محليا وعالميا، وعلى كل من المانحين والمتلقين للمساعدات الرسمية؛ للتأكد من أن تقديم المساعدات يتم بكفاءة وشفافية؛ حيث تصل إلى من يحتاجون إليها بالفعل، من دون أن تهدر أو تتحول وجهتها أو تتسم بالازدواجية. وينطبق على الشركات الخاصة والمؤسسات المملوكة للدولة؛ للتأكد من أن استثماراتها تتم بشفافية على أساس من المنافسة الحرة، حتى تعود بالنفع على المواطنين.
وأود أن أقول بضع كلمات عن الفساد، وهو آفة اقتصادية واجتماعية حقيقية. فمن خلال ما يسببه من تقويض للثقة، وسحب للشرعية عن المؤسسات، يصبح من الصعب على البلدان اتخاذ القرارات الجماعية اللازمة لتعزيز المصلحة العامة.
فكروا في هذا الأمر. إذا لم يسدد بعضهم نصيبهم العادل من الضرائب، فلن تستطيع الحكومات تدبير الإيرادات اللازمة؛ لإنجاز أولويات أهداف التنمية المستدامة. والأسوأ من ذلك أن شرعية النظام بالكامل ستتقوض. وفي الوقت نفسه، إذا كان الفساد مستشريا، فقد يسول ذلك للحكومات أن تنفق أموالا على مشروعات تولِّد عمولات دون أن تكون لها قيمة اجتماعية تذكر، وبذلك أيضا يتم تقويض جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة.
هذا ما يتعلق بالقطاع العام فقط، ونحن في حاجة أيضا إلى استثمارات يقوم بها القطاع الخاص في مشروعات مستدامة طويلة الأجل، تدعم أهداف التنمية المستدامة، لكن من المستبعد أن يقدِم القطاع الخاص على هذه الاستثمارات إذا كان مجبرا على سداد "ضريبة الفساد". فمن المؤكد أن ما يصاحب أي قرار استثماري من عدم يقين ومخاطر حقيقية يزداد ضخامة في وجود الفساد.
وبالطبع، لا يكون القطاع الخاص ضحية بريئة في كل الأحول. فالشركات والمستثمرون يكونون على استعداد تام لتقديم الرشا في بعض الأحيان، والقطاعات المالية الكبيرة تكون على استعداد تام للترحيب بالأموال القذرة في بعض الأحيان أيضا.
ولا غرابة في أن أبحاث الصندوق خلصت إلى ارتباط الفساد وضعف الحوكمة بانخفاض النمو والاستثمار وتحصيل الإيرادات الضريبية، وبارتفاع عدم المساواة والإقصاء الاجتماعي.
فما الحل إذن؟ إن إنفاذ القانون على المجرمين ضروري بالطبع، لكنه لا يكفي وحده. فالأدلة التي خلصنا إليها تشير إلى أن مبادرات مكافحة الفساد الناجحة تقوم على إصلاح المؤسسات بصورة تركز على الشفافية والمساءلة، كأن يتم تسليط الضوء على كل جوانب ميزانية الحكومة، على سبيل المثال.
ولهذا السبب، يعمل الصندوق على تعزيز انخراطه في جهود الحوكمة ومكافحة الفساد، مع التركيز بدقة على المؤسسات الاقتصادية القوية. وحين نجد أن الفساد أصبح بحجم الاقتصاد الكلي، لن نتجنب الإفصاح عن ذلك.
وهناك مشكلة ترتبط بهذا، وهي جسامة حجم التحايل الضريبي؛ فأحد التقديرات يشير إلى أن الثروة المودعة في المراكز المالية الخارجية تصل إلى 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهذا أيضا يزيد من صعوبة تدبير التمويل اللازم لأهداف التنمية المستدامة.
وكلنا يعلم تماما أن قيم الحوكمة الرشيدة هي القيم التي كانت تؤمن بها هيلين، ولا يمكنني التفكير في شخص آخر يمتلك الدرجة نفسها من الأمانة والحيادية والنزاهة. ففي المناصب القيادية العديدة التي تقلدتها، كانت تجد نجمها الهادي في مبادئ الشفافية والمساءلة. هذا ما أحبه الناس فيها، وهذا ما أثمر ذلك الولاء الشديد من كل من عملوا معها. إنه ما قادها إلى هذا النجاح المبهر، وفي ذلك درس لنا جميعا.
وقبل أن أختتم، دعوني أختبر انتباهكم لما قلت. لقد اقتبست مقولة لكل من مكسيم جوركي وهربرت جورج ويلز. فما القاسم المشترك في المقولتين؟ الواقع أنه إلى جانب كونهما كاتبين وروائيين عظيمين، فكلاهما كان يحب جدة هيلين، الأرستقراطية الروسية التي لا تقهر مورا بادبيرج! من الواضح أن عائلة هيلين تزهو بأجيال كثيرة من النساء القويات.
وعند موضوع الأجيال هذا، أود أن أنهي مقالي؛ لأن تركة هذا الجيل ستتمثل في نجاحه أو فشله في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
في المسرحية الاستعراضية هاميلتون، التي تعرض بنجاح كبير في لندن، نجد البطل الأول، ألكساندر هاميلتون، ينعم التفكير في سؤال أساسي قبل أن يلقى حتفه في مبارزة. يتساءل هاميلتون: "ما التركة؟"، ويجيب: "هي أن تغرس البذور في حديقة لن تتمكن من رؤيتها أبدا".
وقد تَركت هيلين ألكساندر وراءها تركة رائعة، وقد تركتنا في وقت مبكر للغاية، ولن تتمكن أبدا من رؤية الثمار اليانعة لما زرعته من بذور جميلة، لكن الجيل القادم سيراها، أبناؤها وطلابها وكل من أضاءت حياتهم بابتسامتها الآسرة اللماحة. آمل أن نتمكن جميعا من ترك ميراث مماثل فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، فنحن مدينون بذلك لمن سيأتون بعدنا.