من المبكر للغاية أن نجزم
الواقع أن تووز يبالغ كثيرا في تقدير أهمية حقيقة مفادها بأن أزمة الديون في أيرلندا وإسبانيا كانت ناجمة عن عمليات إنقاذ القطاع المصرفي، وليس الإسراف المالي "البرتغال في منطقة وسط بين أيرلندا وإسبانيا". وهو محق. ومع ذلك، ليس الأمر وكأن أزمات الرهن العقاري في هذه الدول كانت ناجمة عن خطأ القطاع الخاص وحده. فالضمانات الرسمية تعد شكلا آخر من أشكال الإنفاق الحكومي، حتى لو لم تحتسب في الدين الحكومي الرسمي. وكما أوضحت أنا وكارمن راينهارت بالوثائق في كتابنا الصادر عام 2009 بعنوان "هذه المرة مختلفة.. ثمانية قرون من الحماقة المالية"، فإن "الديون المستترة" الضخمة تظهر على نحو مفاجئ في أوقات الأزمات.
على مدار التاريخ، لم يكن من النادر أن تتحول الأزمات المصرفية إلى أزمة ديون حكومية، كما أثبت أنا وكارمن راينهارت في بحثنا عام 2011. وقد أكدت عدة أبحاث أخرى على حقيقة مفادها بأن الدول المثقلة بالديون الحكومية تعاني ركودا أشد عمقا بعد الأزمات المالية، وهو ما يرجع جزئيا إلى تضاؤل الحيز المالي. ولأن الأزمات المالية الجهازية قد تؤدي إلى عقد من النمو المنخفض، أو عدم النمو على الإطلاق، فمن الممكن أن يستنتج المرء أن متوسط معدل النمو في الدول المثقلة بالديون سيكون أقل بعض الشيء في الأمد البعيد، كما اكتشف كل من قام بنشر دراسات حول هذا الموضوع.
الواقع أن كتاب تووز الصادر عام 2014، بعنوان "الطوفان: الحرب العظمى، وأمريكا، وإعادة تشكيل النظام العالمي"، حظي بإشادة مستحقة بسبب رؤاه العميقة حول الكيفية التي تسبب فيها نقص الزعامة الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى في تمهيد الساحة للأزمات السياسية والاقتصادية العالمية خلال فترة ما بين الحربين. لكن كتابه الجديد يُظهِر كيف قد يفقد المؤرخون بعض ميزتهم النسبية لمصلحة باحثين آخرين، عندما يتعلق الأمر بالبحث في الأحداث المعاصرة.
في كتاب الطوفان، كان تووز قادرا على التأمل في المذكرات والسجلات الأرشيفية التي تستغرق الحكومات عادة عقودا عديدة من الزمن لاكتشافها أو نشرها. والواقع أن أحد طلاب الدراسات العليا تحت إشرافي كان يبحث في سياسات بنك إنجلترا أواخر ثلاثينيات القرن الـ20، لكي يكتشف أن بعض الملفات الأرشيفية قد تظل مغلقة لمدة تصل إلى 100 عام إذا اعتبرت حساسة بشكل خاص. ورغم أن المرء ربما يستطيع أحيانا الحصول على ملفات منقحة من خلال طلبات حرية المعلومات، فإن القيود تظل مكبلة إلى حد كبير.
وتنطبق قيود مماثلة على دراسة الأحداث المعاصرة. وبالتالي، كان تووز مجبرا في كتابه "حطام" على الاعتماد على قصاصات الصحف والمقالات الافتتاحية بدلا من المصادر الأولية" بقدر أكبر كثيرا مما قد يفضله أي مؤرخ لولا ذلك. ولكي نكون منصفين فإن أحكامه غالبا ما تكون على الناحية المالية. على سبيل المثال، كان محقا عندما استنتج أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي ما كان ليتمكن أبدا من بذل وعده الشهير في تموز (يوليو) 2012 بالقيام "بكل ما يلزم"، ما سمح للبنك المركزي الأوروبي باستخدام ميزانيته العمومية لإصدار سندات اليورو بحكم الأمر الواقع، دون موافقة ألمانيا.
المشكلة الواضحة التي يتجاهلها الجميع
من اللافت للنظر أن كتاب تووز لا يركز إلا قليلا على المشكلة في قلب أزمة اليورو: وهي أن منطقة اليورو أشبه ببيت نصف مبني. ورغم أن اقتصاديا آخر حائزا على جائزة نوبل، وهو روبرت موندل، دافع عن الفكرة، فإن وضع الاتحاد النقدي قبل الاتحاد المالي والسياسي كان خطأ فادحا. وحتى يومنا هذا، تتعامل أوروبا مع العواقب المترتبة على هذا القرار. وعلى سبيل تسجيل الوقائع، كانت فرنسا، وليس ألمانيا، هي التي ارتكبت أم كل الأخطاء عندما أصرت على إدخال اليونان عضوية اليورو، على الرغم من تاريخ من التخلف المتكرر عن سداد الديون والتضخم.
وما أساء موندل فهمه هو أن القائمين على البنوك المركزية لا يعيشون في عالَم خاص بهم. فربما يتمتعون بقدر من الاستقلال عندما يتعلق الأمر بتحديد أسعار الفائدة واستهداف التضخم، لكنهم في نهاية المطاف يمارسون في الأساس شكلا شديد السيولة من إدارة الديون الحكومية. فالسياسة النقدية تشكل ببساطة جانبا واحدا من السياسة المالية. ويعد الاتحاد النقدي في غياب الاتحاد المالي كارثة محققة ولو بعد حين.
من المؤكد أن مؤسسي منطقة اليورو كانوا يعتقدون بإخلاص أن الاتحاد المالي سيتبع الاتحاد النقدي في نهاية المطاف. لكن أزمة منطقة اليورو، ناهيك عن مناقشة قضية الهجرة الدائرة وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تظهِر أن ذلك اليوم لا يزال بعيدا للغاية. فلم يكن صناع السياسات في أوروبا يملكون تحت تصرفهم ببساطة الأدوات اللازمة لحل الأزمة بسهولة، ومن السذاجة أن نعتقد خلاف ذلك.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.