مستقبل اليورو .. والأزمات المالية
في كتابه المثير للاهتمام بعنوان "يتيم أوروبا.. مستقبل اليورو وسياسة الديون"، يقترح مارتن ساندبو، كاتب العمود الاقتصادي في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن بيت أوروبا نصف المبني يظل صالحا للسكن. ومع ذلك، ليس من الواضح - في اعتقادي - ما إذا كانت منطقة اليورو قادرة على تحمل أزمة جهازية عميقة أخرى، إلا إذا جرى تطبيق إصلاحات؛ حيث تفرض الدول الأعضاء الأضعف ضوابط رأس المال، التي قد ترقى إلى نظام متعدد العملات بحكم الأمر الواقع.
على نحو مماثل، يتفق أغلب أهل الاقتصاد في الولايات المتحدة على أن منطقة اليورو لن يكتب لها البقاء - في الأمد البعيد - في غياب نظام لتقاسم المسؤولية المالية على نطاق الاتحاد الأوروبي بالكامل، فضلا عن تحويلات على نطاق أوسع كثيرا من القائم حاليا. وهذا بدوره يتطلب زعامة سياسية قوية. وكل من يثير مسألة التحويلات مع الألمان سيصطدم بحقيقة مفادها بأن النخبة في ألمانيا أقنعوا ناخبيهم في منطقة اليورو من خلال الوعد بأنها لن تصبح أبدا "اتحاد تحويل".
من المؤكد أن أي مؤرخ يدرك مدى الصعوبة التي كانت لتنطوي على محاولة الدفاع عن التحويلات وشطب الديون خلال أزمة منطقة اليورو. وفي ذلك الوقت، كان عقدان من الزمن فقط مرا منذ بدأ مواطنو ألمانيا الغربية يجرون عمليات تحويل ضخمة إلى ألمانيا الشرقية، وكانت تلك التكاليف لا تزال تظهر كفئة خاصة على فواتيرهم الضريبية.
فوائد التأمل في أحداث الماضي
مثله كمثل أولئك الذين انتقدوا بعض حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بكل قسوة بسبب تقاعسها عن العمل، يبدو أن تووز يعد بقاء منطقة اليورو خلال الأزمة الأخيرة أمرا مفروغا منه، وهو أمر غريب، خاصة أن عددا كبيرا من خبراء الاقتصاد الذين يُستشهَد بهم يعتقدون أن شكلا ما من أشكال تفكيك المنطقة بات حتميا. وعلى هذا، فإنه لا يُنسَب القدر الكافي من الفضل إلى أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية عن منع الانهيار الكامل للكتلة، الذي كان سيخلف عواقب كارثية وخيمة بعيدة المدى.
في أمريكا، هذا ما نسميه "قيادة الهجوم في صباح الإثنين" "تُلعَب مباريات كرة القدم عادة في أيام الأحد". مع الاستفادة من فهم أحداث الماضي، يصبح من السهل أن نتصور أننا كنا لنتصرف على نحو مختلف لو عدنا إلى تلك الأحداث الآن. ولكن في ذروة أزمة اليورو، كان الطريق إلى الخروج بعيدا كل البعد عن كونه واضحا، ولم يكن في وسع أحد أن يعرف ماذا يكمن خلف المنعطف التالي من المخاطر الاقتصادية والسياسية. في الواقع، إذا كانت أسعار الفائدة الحقيقية - المعدلة تبعا للتضخم - في مختلف أنحاء العالم قد ارتفعت ولم تهبط، فربما يكون هذا دليلا على أن الأمور أصبحت أسوأ كثيرا.
من المثير للاهتمام أن الدولة الوحيدة التي ارتدت بسرعة نسبيا كانت ألمانيا، على الرغم من سياسات الموازنة المتماشية مع الدورة الاقتصادية التي كانت بلا ضرورة. من منظور ألماني بحت، من الصعب أن نرى كيف كان لميركل وفولفجانج شويبله وزير ماليتها، أن يديرا الأمور على أي نحو أفضل. باعتراف تووز ذاته، كان شطب ديون اليونان يفرض مخاطر جسيمة، ليس على المستوى السياسي، بل أيضا القانوني. وليس من الواضح حتى ما إذا كانت المحكمة الدستورية الألمانية توافق على مثل هذه التدابير.
كان شطب ديون اليونان يشمل إعادة رسملة المصارف الألمانية "والفرنسية"، وكانت تلك التكلفة ستتضاعف عدة مرات إذا عوملت بالمثل دول أخرى مدينة في جنوب أوروبا. وكان الدين الحكومي الألماني سيرتفع بسهولة بنحو 20 في المائة إلى 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر ممكن من الناحية الاقتصادية، لكن الترويج له ليس بالمهمة السهلة. ورغم أنني أوصيت شخصيا بهذه الاستراتيجية، فأنا أكره تقريع الألمان؛ لأنهم رفضوا تبني مثل هذا الأمر.
غمامات بلون الورد
من نقاط الضعف ذات الصلة في تحليل تووز الاقتصادي - فشله في وضع الصعوبات التي تنطوي عليها عملية صنع السياسات استنادا إلى تنبؤات لحظية في الحسبان. فكما قد ينبئك أي أكاديمي خبير في الاقتصاد الكلي، لا يتوقف الاقتصاد العالمي أبدا عن كونه غير مؤكد وغير قابل للتنبؤ بتصرفاته. على سبيل المثال، لم يكن لدى البنوك المركزية ولا الغالبية الساحقة من المستثمرين على مستوى العالَم أي فكرة عن المدى الذي قد يبلغه انخفاض أسعار الفائدة الطويلة الأجل خلال الفترة من 2007 إلى 2013. ومع ذلك، فإن هذا هو المتغير الوحيد الأكثر أهمية عندما نفكر في مدى استدامة الدين. وفي الفترة بين منتصف عام 2010 وعام 2013، لو كانت أسعار الفائدة الحقيقية قد ارتفعت ولو بمقدار نصف المستوى الذي هبطت إليه في نهاية المطاف، فإن هذا ما كان ليفضي إلى حمام دم مالي في بعض الدول. وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن الاتجاهات الطويلة الأجل لأسعار الفائدة الحقيقية. خلال الأزمة، كان أغلب صناع السياسات يعملون وفقا لتوقعات مفرطة في التفاؤل، التي لم يزودهم بها مستشاروهم فحسب، بل أيضا كل الخبراء هناك تقريبا. وبعد مرور عشر سنوات، بات من المتفق عليه على نطاق واسع الآن، أن فترات الركود المرتبطة بالأزمات المالية تميل إلى أن تكون عميقة للغاية، وأن تتبعها فترات تعاف شديدة البطء.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.