الديون الأوروبية ومؤشرات التضخم

في عام 2009، عندما نشرت أنا وراينهارت كتاب "هذه المرة مختلفة"، قدمنا معايير كمية للتعافي بعد الأزمة المالية، استنادا إلى مجموعة هائلة من البيانات التاريخية، التي جرى تجميعها على مدار سبع سنوات من البحث، التي أتحناها للناس. ولفترة طويلة بعد ذلك، تعرضنا للسخرية على نطاق واسع بسبب إشارتنا إلى أن أزمة 2008 لم تكن مختلفة كثيرا عن الأزمات المالية الجهازية الأخرى خلال حقبة ما بعد الحرب، حتى تلك التي ترجع إلى القرن التاسع عشر. وقد تصورنا أنه إذا تطور الاقتصاد - كما حدث بعد الأزمات المالية في الماضي - فإن التعافي قد يستغرق بسهولة ثماني سنوات، بدلا من تسعة أشهر إلى سنة واحدة، كما هي الحال في فترات الركود الدوري المعتادة.
خلال الفترة 2009-2010 وما بعدها، أكدت البنوك المركزية الكبرى في العالم، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وأغلب المتنبئين في القطاع الخاص، أن التعافي السريع الطبيعي كان قاب قوسين أو أدنى، لكن على مدار السنوات الثماني التالية، اضطر صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعات النمو السنوي الواحد تلو الآخر، وكانت أغلب البنوك المركزية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في القارب نفسه عموما.
إذا كنت سياسيا يُقال لك إن آليات التصحيح الذاتي ستؤكد نفسها قريبا، فستكون عندئذ مرتابا للغاية من كل من يدعو إلى اتخاذ تدابير جذرية، خوفا من أن تكون التأثيرات الجانبية للدواء أسوأ من المرض ذاته. من جانبه، نادرا ما يُقِر تووز بأن صنع السياسات ينطوي على حسابات صعبة في ظل قدر عظيم من عدم اليقين، سواء كان ذلك متمثلا في مخاطر انهيار اليورو أو المرحلة الثانية من الانهيار العالمي لأسعار المساكن. ولكن إذا كان يبحث عن جناة وراء الاستجابة غير الكافية للأزمة، فينبغي له أن يلوم التوقعات الرديئة.
الواقع أنني عاينت هذا بنفسي لأول مرة في ديسمبر 2009، عندما كتبت أول تعليق في سلسلة من عدة تعليقات حول السبب الذي يجعل "التضخم أقل الشرور الآن". وكانت الحجة التي سقتها أن البنوك المركزية ينبغي لها أن ترفع مؤقتا من أهداف التضخم إلى مدى يراوح بين 4 في المائة و6 في المائة، بدلا من المستوى المعتاد 2 في المائة. وكان هذا يجلب بعض التطورات المتواضعة، لكن الأمر الأكثر أهمية أنه كان يزيد من الطلب على العمالة في بيئة تتسم بجمود الأجور. وقد سقت أنا وراينهارت الحجج لمصلحة الإنفاق الضخم على البنية الأساسية، لكن صناع السياسات المتشككين عدوا توقعاتي شديدة التشاؤم، ورأوا أن دوائي أقوى مما ينبغي.
في الوقت نفسه، كان استقبال اقتراحات شطب ديون حاملي قروض الرهن العقاري الثانوي أدفأ بعض الشيء، بما في ذلك من قِبَل الرئيس الأسبق بل كلينتون في كتابه الصادر عام 2011 بعنوان "عودة إلى العمل"؛ حيث استشهد بدعوتي إلى تخفيف عبء الديون. ولكن مرة أخرى، كان صناع السياسات عازفين عن ملاحقة طرق راديكالية من شأنها أن تكلفهم رأسمالهم السياسي، وربما توجِد مخاطر أخلاقية، خاصة أنهم تصوروا أن الظروف الاقتصادية كانت في تحسن بالفعل.
وكان الوضع في أوروبا مماثلا إلى حد كبير. فاعتبارا من عام 2010 فصاعدا، اقترحت أنا وآخرون أن منطقة اليورو في احتياج إلى شطب ديون البرتغال، وإيرلندا، واليونان، وربما إسبانيا، بشكل حاد. ولكن في الوقت نفسه، كان صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية يقدمان توقعات وردية بشأن اليونان، التي عانت كما نعرف جميعا انهيارا هائلا ومستداما في الناتج. وفشل صناع السياسات في اتخاذ تدابير جذرية عندما سنحت لهم الفرصة؛ لأنهم طُلِب منهم أن يستمروا في المسار نفسه من قِبَل المتنبئين الاقتصاديين، الذين لم يكن بوسعهم أن يتقبلوا - ببساطة - حقيقة مفادها بأن الأزمات المالية قد تعمل على تضخيم عمق وطول فترات الركود بشكل كبير.
الواقع أن كتاب "حطام" عمل طموح، لكنه معيب في نهاية المطاف. وبوسعنا أن نقول كثيرا عن ذلك، إذا سمح المجال. ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أقاوم بعض استشهادات تووز الخرقاء الشديدة الفظاظة بأعمالي. على سبيل المثال، يستشهد بقصة نشرتها وكالة رويترز عن مقابلة أجريتها مع الصحيفة الألمانية "فيلت آم سونتاج" عام 2010. كانت كل تصريحاتي صادرة في الأصل باللغة الإنجليزية، ثم ترجمت إلى اللغة الألمانية، ثم ترجمتها "رويترز" مرة أخرى إلى اللغة الإنجليزية. وكل من تعامل مع الصحافة الألمانية يعرف أنها تمنح نفسها قدرا هائلا من الحرية في التعامل مع الاقتباسات بشكل عام، ومع الترجمات من اللغة الإنجليزية بشكل خاص. ولم يرسل لي أحد المقال لمراجعته، حتى لو حدث ذلك، فأنا لا أقرأ اللغة الألمانية.
على أي حال، يقتبس تووز مني قولي إن "ديون ألمانيا غير مستدامة، وذات يوم ستكون كديون اليونان". وبوصفه خبيرا في ألمانيا، كان من الواجب على تووز أن يعرف أن أخذ هذا الاقتباس على ظاهره أشبه بالاستشهاد بصحيفة صفراء وكأنها شهادة في الكونجرس. والواقع أن الاقتباس كان غبيا، ولم يأت على لساني قط - ولم يكن ليأتي على لساني أبدا - أي شيء من هذا القبيل. فقد كتبت في نهاية المطاف تعليقات عَرَضية، وأجريت عددا من المقابلات حول أزمة الديون الأوروبية، وكنت أعرف - من الأيام التي قضيتها في صندوق النقد الدولي - كيف أقول الشيء نفسه تماما في كل مرة. ولو كنت أريد التصريح بهذه النبوءة السخيفة عن ألمانيا، فإنني كنت سأصرح بها عدة مرات في أماكن عديدة. بيد أنني لم أفعل. "الواقع أنني لم أرَ حتى الاقتباس الذي نسبه تووز إليّ قبل نشر كتابه". وكنت أعرف فقط أنني كنت موضوع انتقاد في بعض الدوائر؛ بسبب دعوتي إلى شطب الديون، ورفع مستوى التضخم المستهدف.

خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي