العجز الأمريكي في سداد الدين
لا شك أن بعض الباحثين القانونيين يزعمون أن العجز الأمريكي العظيم عن سداد الدين لم يكن في واقع الأمر عجزا عن سداد الدين على الإطلاق، لأن المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمت في نهاية المطاف بأن الدائنين لم يستحقوا أي تعويض نتيجة تصرفات روزفلت. وقد عدت المحكمة العليا في الأرجنتين أن التخلف عن سداد الدين في عام 2002 كان مسموحا به أيضا، لكن هذا لم يجعله أقل من عجز عن السداد من منظور العالم. ومن حسن الحظ أن إدواردز حسم القضية الآن بشكل جازم. يأخذنا كتاب "التقصير الأمريكي" عبر كل الأحداث التي أدت إلى قرارات المحكمة بشأن فقرة الذهب. فمن ناحية، حكمت المحكمة بأغلبية ثمانية إلى واحد بأن إلغاء فقرات الذهب لم يكن دستوريا فيما يتعلق بالدين العام. ومن ناحية أخرى، حكمت بأغلبية خمسة إلى أربعة بأن الجهات المصدرة للسندات "بما في ذلك الحكومة والكيانات الخاصة التي تضمنت عقودها فقرات مماثلة خاصة بالذهب" لم تكن مدينة لحاملي السندات بأي تعويض عن الأضرار.
يعيدنا هذا إلى نقطة سابقة. رغم أن خفض قيمة الدين من خلال تضخم مرتفع غير متوقع ليس تخلفا قانونيا عن سداد الدين، فهو يرقى إلى الشيء نفسه اقتصاديا. في سبعينيات القرن العشرين، بلغ التضخم 13 في المائة في الولايات المتحدة وتجاوز 20 في المائة في المملكة المتحدة واليابان، وصاحب ذلك أشكال التأثيرات الاقتصادية السلبية كافة. لكن لم يكن في الأمر أي عجز قانوني عن سداد الدين، لأن الديون ذات الصلة لم تكن مفهرسة. على نحو مماثل، لم يكن القرار الذي اتخذته المملكة المتحدة في عام 1931 بالخروج من معيار الذهب وخفض قيمة الجنيه في مقابل الذهب بنسبة 30 في المائة يشكل عجزا عن السداد من الناحية الفنية، لأن عقود الدين في المملكة المتحدة، على العكس من الولايات المتحدة، لم تتضمن أية روابط بالذهب. وفي الولايات المتحدة، جرى إدراج مثل هذه الفقرات في العقود منذ الحرب الأهلية، عندما تسبب التضخم الهائل في تقويض الثقة بالعملة الأمريكية.
من الفوارق الأساسية بين تخلف الولايات المتحدة عن سداد دينها في ثلاثينيات القرن العشرين وبين أغلب "لكن ليس كل" حالات التخلف عن سداد الديون السيادية الأخرى، أن الولايات المتحدة لم تُحرم من القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، ولم يكن من الواضح حتى إنها دفعت علاوة مخاطر أعلى. وربما كان أداء الولايات المتحدة أفضل من غيرها، لأن إلغاء معيار الذهب لم يكن محاولة لحل موقف مزمن بالفعل، ولأن أداء الدول الكبرى الأخرى كان أسوأ من أداء الولايات المتحدة. وربما ارتفعت علاوة المخاطر بالفعل، لكن ذلك الارتفاع الأولي كان مستترا بسبب حقيقة مفادها أن أسعار الفائدة الاسمية كانت تدفع بقوة ضد حد الصفر الأدنى. أو ربما كان ذلك لأن عمليات إعادة هيكلة الدين قد تنجح في بعض الأحيان، شريطة أن يكون توقيتها مناسبا وأن تكون مصحوبة بسياسات أخرى داعمة للنمو.
بعد تقييم الأدلة بدقة وعناية، ومع الأخذ في الحسبان المناقشة القانونية المعاصرة، يخلص إدواردز إلى أن إلغاء الولايات المتحدة لعقود الدين وخفض قيمة الدولار في ثلاثينيات القرن العشرين كان امتناعا عن سداد الدين حقا. ومن العوامل التي أزعجت المحكمة أن الولايات المتحدة استمرت في إصدار سندات مرتبطة بالذهب حتى بعد أن تخلت عن معيار الذهب. ومع ذلك، يضفي إدواردز الصلاحية على استنتاجه من خلال تصنيف الحدث باعتباره "عجزا عن السداد يمكن الصفح عنه" نظرا لحقيقة مفادها أن الدائنين كانوا يعلمون أنهم لم يكن بوسعهم دفع الولايات المتحدة إلى دفع المزيد.
بالنظر إلى أحداث الماضي، يتساءل المرء ما إذا كانت الأسواق لتتسامح بالقدر نفسه مع دول منطقة اليورو المتعثرة لو أنها حصلت على تخفيضات كبيرة مماثلة في الدين. في اعتقادي من خلال قراءتي للأدلة أنها كانت لتفعل ذلك. إذ كان إحجام دول شمال أوروبا عن تخفيض ديون إسبانيا، والبرتغال، وإيرلندا، واليونان، العقبة الأكبر على الإطلاق التي حالت دون التعجيل كثيرا بالتعافي من الأزمة.
يزودنا إدواردز بتصوير تشخصي نابض بالحياة لتكميل تحليله الاقتصادي المدروس بعناية. ففي قراءة "التقصير الأمريكي"، يذكرنا هذا العمل بكتاب لياكوات أهامد، "أباطرة المال"، الحائز جائزة بولتزر لعام 2009، الذي يتعقب محافظي البنوك المركزية الأساسيين الأربعة في حقبة عشرينيات القرن العشرين "من ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة" بوصفهم - على حد تعبيره - "أفلسوا العالم". الواقع أن الكتاب رائع، لكنه يعطي لنفسه رخصة شعرية كبيرة بالمبالغة في تقدير أهمية محافظي البنوك المركزية في عصر الكساد العظيم. وفي حقيقة الأمر، كان رعاياه يتمتعون بقدر أقل كثيرا من الاستقلال داخل الحكومات مقارنة بنظرائهم المعاصرين.
بالمقارنة، كان كتاب إدواردز أكثر توازنا، في حين احتفظ في الوقت نفسه بحيويته وجاذبيته. لا شك أنه عمل مع شخصيات لامعة، بما في ذلك جيمس مكرينولدز، أحد "الفرسان الأربعة" المحافظين في المحكمة العليا، الذين رفضوا التحدث مع زميليه القاضيين بنيامين كاردوزو، ولويس برانديس لأنهما يهوديان.
كما تجسد مناقشة إدواردز الفوارق الدقيقة في المناقشات الاقتصادية المعقدة في صميم كتابه. على سبيل المثال، لا يظهر جون ماينارد كينز بوصفه المنظر الخام الذي صنعه بعض تلامذته في العصر الحديث. كما يظهر هربرت هووفر في مناقشة إدواردز كشخص لديه حقا بعض الأفكار الطيبة. ويترك إدواردز أثرا من الشك حول ما إذا كان التاريخ حكم على الرجل بإنصاف.
الأمر الأكثر أهمية رغم ذلك، هو أن كتاب "التقصير الأمريكي" يبدد "فقدان الذاكرة الجماعي" حول حدث بالغ الأهمية في التاريخ المالي للولايات المتحدة. وعندما يخبرك شخص ما في المرة المقبلة بأن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة لن يحدث أبدا على الرغم من الخلل السياسي الضخم والتهديدات المتصاعدة مثل الحرب السيبرانية، فعليك أن تنصحه بقراءة الكتاب الأفضل على الإطلاق الذي تناول هذا الأمر.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.