تطوير «البريد» .. ومواكبة «الرؤية»
اتصل بي قبل أسابيع الشاعر والمثقف علي الأزوري يشكو كالعادة من سوء تعامل "مؤسسة البريد" مع بعض الخدمات التي دفع ثمنها؛ حيث ألزمته المؤسسة بدفع 30 ريالا لتوصيل "جواز السفر" إلى منزله، وحين مرت الأيام ولم يصل "الجواز" اضطر في النهاية إلى أن يتسلم "جواز السفر" بنفسه، وحين طالب باسترجاع ثمن الخدمة، التي لم يحصل عليها، رفضت "مؤسسة البريد"، ما جعله ينشد غاضبا قصيدة هجاء لاذعة في خدمات البريد المتواضعة. وقد حاولت أن أخفف من غضبه بأن الأمر لا يتجاوز 30 ريالا فقط، وعليه أن ينسى ويتعايش مع هذا الوضع كما يحصل معنا غالبا، أخذ يشرح لي ماذا يمكن أن تحققه 30 ريالا من مشتريات نوعية على حد قوله، منها: الأرز، والدجاج، وحليب الأطفال.. إلخ.
أسوق هذه القصة الطريفة للمهندس آنف أبانمي الذي صدر أمر ملكي بتعيينه الأسبوع الماضي رئيسا لمؤسسة البريد. وقد كتبت وكتب غيري سابقا كثيرا عن تأخر مؤسسة البريد السعودي عن مواكبة المتغيرات واحتياجات السوق السعودي، رغم الدور التنافسي المهم لمؤسسة البريد وشركات الشحن السريع الأخرى في التنمية الاقتصادية وصناعة فرص العمل وجودة الخدمة. لقد تعاملت مع "مؤسسة البريد" أكثر من مرة، وشاهدت بنفسي أن قطاع البريد بأدائه الحالي ما زال عبئا على الدولة، وغير مواكب لـ"رؤية المملكة 2030" في صناعة مؤسسات تنافسية وخدمية متميزة، ما زال سوء الخدمة وغياب الشفافية، وبطء الأداء، وعدم القدرة على استثمار الفرص الكبيرة المتاحة في السوق السعودية - قائما، رغم أنها تحتكر معظم خدمات البريد الحكومي وخدمات الشركات الأخرى الكبيرة.
وفي تقديري أن مؤسسة البريد ما زالت تعمل بالرتم الحكومي التقليدي؛ حيث الرتابة في الأداء، وعدم الرغبة في التطوير والبحث عن الفرص، وتحقيق النجاحات، وإهمال متطلبات العملاء.
أتمنى من رئيس المؤسسة الجديد، أن يكتشف بنفسه كيف تعمل منظومة البريد بفروعه المتعددة، وكيف تغلق أبوابها قبل الخامسة عصرا دون أن تبالي بمتطلبات السوق والعملاء. أتمنى منه أن يتابع بعض الشحنات البريدية التي تبقى أياما دون أن تصل في الموعد المتفق عليه، وأتمنى أن يتصل بنفسه بالهاتف المجاني وينتظر بالساعات دون أن يأتيه رد، أما الموقع الإلكتروني وحسابات المؤسسة على مواقع التواصل، فهي متواضعة جدا، ولا يليق بمؤسسة تدير خدمات البريد في المملكة. وهذا التواضع في الأداء نتيجة طبيعية لغياب التنافسية والعمل في بيئات تفتقد الرقابة والتشريع المنظم للحقوق والواجبات. إن هذا التخبط لا يليق بسوق واعدة وقوية لشركات البريد، ولا يمكن أن يترك دون تطوير ونقلة نوعية تعيده إلى مسار السوق الصحيح، خاصة إذا ما عرفنا أن حجم هذه السوق يتجاوز في الوقت الحالي ثلاثة مليارات دولار، ويمكن أن تحقق أكثر من سبعة آلاف فرصة عمل سنويا. فهل يتحقق ذلك؟