فنار الإسكندرية .. أقدم منارات العالم ضحية زلزال
تعد منارة أو فنار الإسكندرية من عجائب الدنيا السبع، وهي من أشهر المباني قديما على وجه الأرض، إذ إنها أول منارة في العالم. أما اليوم فليس لها وجود فقد دمرها زلزال قبل 700 سنة. وقد أنشئت قبل 2300 عام تقريبا، في عصر بطليموس الثاني، بناها المعماري الإغريقي سوستراتوس، وبطول تجاوز 100 متر. وتقع في جزيرة فاروس في البحر المتوسط بجوار مدينة الإسكندرية في مصر. وهي في مكان قلعة قايتباي المعروفة.
ولهذه المنارة ذكر كثير في كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات، وحرص كثيرون على زيارتها لشهرتها، وممن زارها الرحالة ابن بطوطة الذي قال عنها: "قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما. وصفته أنه بناء مربع، ذاهب في الهواء، وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه، وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه، فاذا أزيلت لم يكن له سبيل. وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار. وداخل المنار بيوت كثيرة. وعرض الممر بداخله تسعة أشبار، وعرض الحائط عشرة أشبار، وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع 140 شبرا وهو على تل مرتفع. ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد، فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة، وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الإسكندرية. وقصدت المنار عند عودتي إلى بلاد المغرب عام 750، فوجدته قد استولى عليه الخراب، بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه. وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه، فعاقه الموت من إتمامه".
ومن أفضل الجغرافيين العرب الذين تحدثوا عن منارة الإسكندرية ياقوت الحموي في كتابه الشهير "معجم البلدان" وقد زارها وشاهدها بعينيه، وأورد بعض الخرافات التي تقال عنها، ثم علق قائلا: "وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكل عاد منا متعجبا من تخرص الرواة وذلك إنما هي بنية مربعة شبيهة بالحصن والصومعة مثل سائر الأبنية ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدم فدعمه الملك الصالح رزيك أو غيره من وزراء المصريين واستجده فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبل وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجد أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سن جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية بيني وبين البر نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلا في ماء البحر الملح وبلغني أنه يخاض من أحد جهاته الماء إليها والمنارة مربعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفي الدرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر كأنه حصن آخر مربع يرتقي فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر يشرف منه على السطح الأول بشرافات أخرى وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان. وليس فيها كما يقال غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيه الجاهل بها بل الدرجة مستديرة بشيء كبئر فارغ زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيه الشيء لا يعرف قراره ولم أختبره والله أعلم به. ولقد تطلبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره والذين يزعمون أنها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها 100 ذراع أو أكثر ومن أعلى المنارة فلا سبيل للناظر في هذا الموضع فهذا الذي شاهدته وضبطته وكل ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له". ويقصد ياقوت بالمرآة تلك الخرافة التي اشتهرت عن المنارة أن فيها مرآة تعكس ضوء الشمس وتوجهه للسفن الغازية فتحرقها.