مويضي وأصفر العين
مويضي البرازية شاعرة مجيدة من أشهر الشاعرات النبطيات في جزيرة العرب. عاشت في القرن الـ13 الهجري. لهذه الشاعرة قصص كثيرة، وأخبار شيقة يعرفها كثير من الرواة والقراء الكرام، وما سأورده هنا خبر واحد من أخبارها.
انتشر التدين في منطقة نجد ومناطق كثيرة من الجزيرة العربية في القرن الـ13 الهجري، وأصبح بعض أفراد المجتمع حرصاء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب فهمهم لذلك، وكان البعض لا يرغب في الشعر، خصوصا إذا كان هذا الشعر صادرا عن امرأة، وتنشده بصوت عال، إذ إن بعضا منهم يعدون صوت المرأة عورة.
اعتادت مويضي البرازية أن تنشد الشعر في الصحراء الفسيحة، حيث تعيش مع عشيرتها، ويبدو أنها في أحد الأيام كانت وعشيرتها مقيمين قرب إحدى المدن أو القرى، واستمرت كعادتها تنشد الشعر بصوت عال وتغنيه كعادتهم آنذاك، وقد ساء هذا الأمر بعض المتدينين ونقل الأمر إلى أحد المسؤولين ربما أمير المدينة أو الإمام أو غيرهما، وكان أن أمر المسؤول بنهيها عن ذلك وأرسل لها شخصا اسمه سلامة لإبلاغها بذلك، وفعلا قام سلامة بتنفيذ المهمة لكنه بالغ في ذلك وانهال عليها ضربا ألم جسدها وألم نفسها إذ إنها لا ترى أنها قد ارتكبت خطأ تستحق عليه كل هذا العقاب. مرت الأيام وما زالت الحادثة المؤلمة تراود مخيلتها وتجول في نفسها، وذات يوم سمعت هديل حمامة شجي، شعرت معه أن هذه الحمامة في غاية الطرب والأنس، ورغبت شاعرتنا أن تهيجن وتغني بإحدى القصائد، لكنها تذكرت عصا سلامة وضربه المبرح فنظمت قصيدة تعبر فيها عن مشاعرها التي تدور في خلجات نفسها، وتذكر ما حدث لها مع سلامة:
يا سعد عينك بالطرب يا حمامه ياللي على خضر الجرايد تغنين
عزي لعينك وان درى بك سلامه خلاك مثلي يا الحمامه تونين
كسر عظامي كسر الله عظامه شوفي مضارب شوحطه بالحجابين
جاني يقول مروحينه عمامه الله يخرب ديرةِ لاصفر العين
وان كان ودك بالطرب والسلامه عليك بالفرعه ديار الوداعين
تنحري ربع تفك الجهامه فكاكة القالات بالعسر واللين
دخيلهم ما احدٍ على الحق ضامه لو هو فقير الحال ما يلحقه دين
أعتقد أننا سنرى قصيدة أخرى لو أن سلامة أحسن التصرف، ولم يتعامل معها بهذه القسوة التي رأيناها في القصيدة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى حكمة وحسن تصرف.