النساء والاستثمار في الثقة والنجاح المهني
في العمل، تستطيع النساء الاستثمار في ثقتهن بأنفسهن ولكن بشروطهن، وهنا تجمع النساء اللواتي يمتلكن مهارات قيادية، على أن مفتاح نجاحهن في مجتمع ذكوري هو ثقتهن بأنفسهن. ولطالما امتلك الرجال تلك الميزة على عكس النساء، ما يعكس حجم الفجوة بين كلا الجنسين.
كشفت دراسات أكاديمية متلاحقة وجود صلة مباشرة بين الثقة بالنفس والقدرة على التأثير في الآخرين؛ فالأشخاص الموهوبون الذين يتمتعون بثقة عالية بالنفس ينجحون في جذب عديد من المتابعين بشكل فطري، أكثر من أولئك الذين تقوض عدم ثقتهم بأنفسهم من نجاحاتهم. هنا فقط تستطيع أن تتقلد النساء مناصب قيادية من خلال إيمانهن بأنفسهن وقدراتهن، لكن إذا كان من السهولة أن تنال المرأة ما تستحقه، فهل سيبقى الموضوع مثيرا للجدل؟
امتلاك الثقة بالنفس ليس بالأمر السهل، ويمكن استشفافه من عيني الشخص، فزملاؤنا لا يستطيعون قراءة أفكارنا "لحسن الحظ"، كما لا يعلمون بما نشعر به تجاه أنفسنا والقدرات التي نمتلكها. ومن المهم أن ينظر إلينا الآخرون على أننا أشخاص واثقون بأنفسنا، لذا يفتح هذا العنصر الموضوعي الباب أمام التحيز، كما أشرت في دراسة حديثة شاركني فيها لورا جولين من "إي إس إم تي، برلين" ومرجريتا مايو من كلية إدراة الأعمال "آي إي".
كشفت الدراسة أن الرجال والنساء يلجأون إلى طرق مختلفة لتحويل الثقة بالنفس إلى قدرة للتأثير في الآخرين. غالبا ما تتبع النساء أساليب أكثر تعقيدا، فهي تمر من خلال قوالب ثقافية نمطية تعطي وزنا للفروقات بين الجنسين.
أخذنا خلال الدراسة بعديد من الفرضيات، وبما أنه لا توجد طريقة موضوعية للحكم على ثقة الآخرين بأنفسهم، يميل الأشخاص إلى استخدام بدائل أخرى أحدها الأداء، فعندما نرى شخصا ناجحا في عمله، فإننا نعزو نجاحه إلى حزمة من المهارات القيادية: الثقة بالنفس والطموح والكاريزما وغيرها، جميع الصفات القيادية التي ربطناها في مخيلتنا بالأداء العالي تأتي في هذا السياق. لكن في بيئة عمل يسيطر عليها الطابع الذكوري، يبدو أن عباءة القيادة يسهل إلقاؤها على كتف الرجال، كونها أمرا مألوفا ومتوقعا.
افترضنا أنه في بيئة عمل تتقلد فيها النساء مراكز قيادية محدودة، لا يمكن ببساطة أن يعزى الأداء العالي للمرأة إلى ثقتها بنفسها فقط، لأن القوالب النمطية المتعلقة بالجنسين توجه سلوك الأشخاص، وتجعل طريقة حكمهم على الغير أكثر تلقائية، لكن من المتوقع أن تُظهر المرأة صفات آخرى وفقا لمتطلبات القوالب النمطية، وعلى وجه التحديد نتوقع أن تكون صفات مثل الالتزام، والسلوك الاجتماعي الإيجابي، وإظهار الاهتمام بمصالح المؤسسة والزملاء، صفات إضافية غير معلنة، لكنها مطلوبة من النساء لفرض نفوذهن. جمعنا معلومات عن 236 مهندس كمبيوتر يعملون في شركات متعددة الجنسية في مجال تطوير البرمجيات، أولا، طلبنا منهم تقييم أداء الآخرين، ثم إجراء تقييم ذاتي لتوجهاتهم الاجتماعية، أي مستوى اهتمامهم بمصالح زملائهم في العمل، بعد سنة طلبنا من المشرفين عليهم تقييم مستوى ثقتهم بأنفسهم وتأثيرهم داخل المؤسسة.
تماشيا مع المعايير المتبعة في هذا القطاع الذي يحتكره الذكور، كانت نسبة العنصر النسائي فقط 23 في المائة من المهندسين و5 في المائة من المشرفين.
بالنسبة إلى الغالبية الذكورية، كانت هناك روابط واضحة ومباشرة بين تقييمات الأداء، والثقة بالنفس، والنفوذ في المؤسسة، وبإمكاننا من خلال البيانات المتاحة تحديد الأشخاص ذوي الأداء العالي كقادة مستقبليين. أما بالنسبة إلى النساء، فلم تكن الأمور بالوضوح نفسه، فالروابط بين الأداء والثقة بالنفس كانت موجودة كما هي الحال عند الرجال، لكن المرحلة الأخيرة ألا وهي النفوذ في المؤسسة، كانت مفقودة في عديد من الحالات. فبعض النساء من ذوات الأداء العالي يتمتعن بالثقة بالنفس بحسب مرؤوسيهم، لكن لم يكن لذلك تأثير يذكر، عكس نظرائهم من الذكور.
ومع ذلك، عندما أخذنا في الحسبان التوجهات الاجتماعية - وهي المجال الذي تتقنه المرأة بشكل فطري - ظهر نمط جديد، حيث نجحت النساء اللواتي أظهرن سلوكا أكثر مراعاة للآخرين في التعبير عنه، من خلال أداء عال في العمل، وعلى العكس النساء اللواتي لم يظهرن ذلك لم يكن لهن تأثير يذكر، بغض النظر عن أدائهن.
مع الأسف، لم يتم التعامل مع المرأة التي تعمل في مهن ذكورية حتى الآن من خلال معايير محايدة لا تولي جنس الشخص أهمية "مثل الأداء والثقة بالنفس"، غالبا ما يتم تقديرهن بحسب القوالب النمطية المتعلقة بالجنسين، وتقديم النصح لهن بأن يؤمِنَّ بقدراتهن، لا يتناول جميع الجوانب والتحديات اللواتي يواجهنها، وبالتالي ليس بالأمر الكافي.
الشركات التي تهتم بالمساواة بين الجنسين، بإمكانها اتخاذ خطوات عملية لإعفاء النساء الطموحات من أي التزام من طرف واحد لأداء العمل.
أولا، الصراحة حول المتطلبات التنظيمية للنجاح والتقدم في العمل:
فإذا كانت مساعدة الزملاء وإظهار الجدية في العمل شرطا، يجب أن تكون مطلوبة من كلا الجنسين بالتساوي، وإذا ما كان هناك أمر مرغوب وليس إجباريا، فلا ينبغي أن تتعرض المرأة للمساءلة لعدم التزامها به، كما يجب أن تكون معايير اختيار المتقدمين للوظائف صريحة وشفافة على حد سواء.
ثانيا، الاستعداد للإجابة عن الاستفسارات المتعلقة بتقييم الأداء: تظهر بحوث عدة أن المرأة الطموحة يجب أن تتحدى ازدواجية المعايير لتطوير حياتها المهنية، فعادة لا تُقبَل كقيادية بناء على استحقاقها لذلك. بالطبع يجب أيضا على الرجال العمل بجد وإثبات قدراتهم، إلا أنهم لا يضطرون إلى إثبات ذلك.