الأثرياء والركود الكبير «2 من 2»
لو كان الأثرياء يدخرون بمعدلات مرتفعة قبل الأزمة، تكون هناك صعوبة في تفسير سبب الارتباط السالب بدرجة كبيرة بين توزيع الدخل والادخار على مدى العقود الثلاثة الماضية، الذي يعني أنه كلما زادت حصة الأثرياء من الدخل، انخفض مجمل الادخار، وعلاوة على ذلك، ففي الفترة السابقة على الأزمة، زادت ديون الأثرياء فعليا بالسرعة نفسها التي زادت بها ديون الطبقة المتوسطة، وتوحي هذه الأدلة بأنه لا بد أن معدل ادخار الأثرياء كان يتراجع.
لكن لماذا تنخفض معدلات ادخار الأثرياء في وقت تتزايد فيه دخولهم بوتيرة سريعة؟ الإجابة أن الأثرياء كانوا يستجيبون للزيادة الحادة في ثروتهم، فقد ارتفعت نسبة الثروة إلى الدخل لدى شريحة أعلى 10 في المائة من أصحاب الدخول بصورة حادة من 721 في المائة في عام 1994 إلى 912 في المائة في عام 2007، في المقابل، لم ترتفع نسبة الثروة إلى الدخل لدى شريحة أدنى 90 في المائة إلا بصورة معتدلة خلال تلك الفترة، من 373 في المائة إلى 404 في المائة. ومن الممكن أن يكون تزايد الدخل قد شجع الأثرياء على زيادة معدلات الادخار، فإن ذلك قد وازنه وزاد عليه تأثير النمو الأسرع في ثرواتهم، الذي حفزهم على زيادة الإنفاق وأسفر عن انخفاض في المعدل الكلي للادخار مقارنة بالدخل.
لو كان معدل الادخار لدى الأثرياء اتبع الدورة نفسها التي اتبعها معدل ادخار الطبقة المتوسطة، فلا بد إذن أن يكون الأثرياء قد أسهموا بدور رئيس في قيادة الانتعاش والكساد في الاستهلاك. على أي حال، فإنهم يضمون المجموعة التي مثلت الجزء الأكبر من الدخل ومكاسب الثروة خلال هذه الفترة.
وللبرهنة على ذلك تجريبيا، قمنا بتقدير نموذج للاستهلاك يربط استهلاك الأسر المعيشية بما يلي:
(1) دخل شريحة أعلى 10 في المائة.
(2) دخل شريحة أدنى 90 في المائة.
(3) مجمل ثروة الأسر المعيشية.
وتشير تقديراتنا إلى أنه من كل دولار زائد في الدخل، تستهلك الطبقة المتوسطة 95 سنتا، مقابل 65 سنتا فقط للأثرياء. ويشير ذلك إلى أن الأثرياء يدخرون قدرا أكبر بكثير، إلا أن الأغنياء لديهم أيضا ثروة أكبر. وتشير تقديراتنا إلى أن الميل الحدي للاستهلاك من الثروة يبلغ 2.2 في المائة، وهو ما يعني أنه بالنسبة إلى كل دولار زائد في الثروة، يزيد الاستهلاك بمقدار 2.2 سنت.
قد لا يبدو هذا الرقم نسبة مئوية مرتفعة، لكن نظرا إلى أن ثروة شريحة أعلى 10 في المائة مرتفعة للغاية "50 تريليون دولار أمريكي"، يكون التأثير في الاستهلاك كبيرا.
ثم استخدمنا النموذج لحساب دور الأثرياء في تحريك الاستهلاك. ونتوقع أن يكون الدور كبيرا، ببساطة لأن دخلهم ومكاسبهم من الثروة كان أكبر بكثير من دخل ومكاسب الطبقة المتوسطة. وفعليا، يشير النموذج إلى شيء يدعو إلى الدهشة بحق؛ فقد مثلت شريحة أعلى 10 في المائة من أصحاب الدخول الجزء الأكبر من نمو الاستهلاك ككل. وبين عامي 2003 و2013، كان الأثرياء مصدرا لنحو 71 في المائة من الزيادة في الاستهلاك، وكان معظم تباطؤ الاستهلاك في الفترة بين عامي 2006 و2009 نتيجة لتراجع الاستهلاك من جانب الأثرياء، واطّلع الأثرياء أيضا بدور أساس في التعافي اللاحق، حيث شجعت الارتدادة الإيجابية في ثرواتهم إنعاش الاستهلاك "وإن كان ضعيفا، لأن نسب نمو الدخل ونسب الثروة إلى الدخل ظلت دون مستويات ما قبل الأزمة".
أطراف مؤثرة كثيرة
النتائج التي توصلنا إليها ليست قطعية، نظرا لأنه لا توجد بيانات مؤكدة عن سلوك الإنفاق لدى الأثرياء "أو الطبقة المتوسطة لهذا الغرض"، ومع ذلك، تظل الأدلة المتاحة تشير إلى أنه يتعين تعديل السرد المعياري للركود الكبير، فمع التسليم أن المساكن اطّلعت بدور، فقد كان هناك دور أيضا اطَلعت به الأصول المالية، التي مثلت فعليا الجزء الأكبر من خسائر الثروة. صحيح أن الطبقة المتوسطة اطّلعت بدور، لكن الأثرياء أيضا اطّلعوا بدور. وفعليا، ربما يكون الأثرياء قد مثلوا الجزء الأكبر من التقلبات في مجمل الاستهلاك أثناء دورة الانتعاش والكساد. وهذه النتائج ليست مهمة من منظور تاريخي فحسب، بل إن لها انعكاسات مهمة على الآفاق. فالأثرياء يمثلون حاليا حصة كبيرة في الدخل، ولديهم ثروة كبيرة، إلى الحد الذي يمكن أن يؤدي عنده حدوث تقلبات في أصولهم إلى هز الاقتصاد مستقبلا بدرجة أكبر من أي وقت مضى.