الغرفة السرية

عشت قبل تسعة أعوام تقريبا تجربة ما زالت راسخة في ذهني. انتقلت إلى العمل في مهمة مؤقتة لا تتجاوز ستة أشهر. داومت في مكتب يجاورني فيه ثلاثة زملاء سبقوني إليه بفترة غير قصيرة. وكان أمامنا غرفة مغلقة كنت أحسبها مستودعا.
قبيل صلاة الظهر ذهبت إلى الوضوء من دورة المياه البعيدة نسبيا. وأنا عائد إلى مكتبي شاهدت أحد جيراني في المكتب يخرج من الغرفة، ويحاول إغلاقها بالمفتاح بسرعة، خاصة بعد أن لمحني، بينما هو ملطخ بالمياه.
باغته بسؤال: هل هذه الغرفة التي خرجت منها دورة مياه؟ أجابني وهو لا يرغب في الإجابة: نعم.
وأتبعت سؤالي بسؤال آخر، استقبله برعب كأنه يستقبل حجرا: لماذا تقفل باب دورة المياه، هل تريدني ألا استخدمها؟!
رد وهو يحاول خفض صوته كأنه سيقول لي سرا: حاشا لله، أن يكون هذا هو السبب. لكني حرصت وزميلي ألا نتيحها للجميع.
رددت عليه وأنا ممتعض: وما المشكلة؟!
كل من يعمل في مبنانا زميل لنا وله الحق في استعمال دورة المياه. وهي ليست أملاكا شخصية. انصرف وهو يقول: دعنا نلحق بالصلاة مع الجماعة، وسأكمل لك لاحقا.
لاحقا لم تأت إلا بعد شهر تقريبا من محادثتنا تلك. طلب مني أثناء الدوام أن نخرج خارج المبنى. سألته هل الموضوع عاجل؟ فأومأ برأسه دلالة على طبيعة الموضوع الطارئة. خرجنا وأشعل هو سيجارة، ثم أعاد الولاعة إلى جيبه، وأخرج مفتاحا قدمه لي.
قلت له: مفتاح ماذا؟ أجاب بنبرة كأنه يكافئني: هذا هو مفتاح دورة المياه، اتفقت وزميلي أن نصنع لك نسخة إضافية. فأنت نعم الزميل، لكن أرجوك عندما تستخدمها أغلق الباب جيدا. ابتسمت له بعد أن أعدت إليه المفتاح وقلت له: لا يمكن أن أتخيل يوما ما أن أضع لي في ميدالية مفاتيحي مفتاحا لدورة مياه! لا تقلق، لن أفتح باب دورة المياه حتى أغلقه، استمتعا بها.
أثبت لي هذا الموقف مبالغة بعض الموظفين في المكاتب أو المرافق.
من الجميل أن يكون لديك مكتب مميز ودورة مياه خاصة. لكن لا تجعلها أكبر همك.
تذكر يا صديقي، المكاتب لا تصنعنا. نحن من يصنعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي