ما يحتاج إليه اقتصادنا في العام الجديد
أفل بنهاية الثلاثاء الماضي عام 2019 وأطل علينا صباح الأربعاء عام 2020، ونسأل الله في البداية أن يكون العام الجديد عام خير وبركة وأمن ورخاء على الوطن والمواطن والاقتصاد.
ولا شك أن العام المنصرم شهد أحداثا اقتصادية مهمة على المستوى المحلي، وعلى رأسها طرح جزء من أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام في السوق المحلية، والاتفاق السعودي - الكويتي حول إنتاج نفط وغاز المنطقة المحايدة بما يدعم إنتاج النفط والغاز في المملكة، إضافة إلى صدور عدد من القرارات الملكية المهمة، مثل قرار فصل الصناعة عن الطاقة؛ ودمج أجهزة مكافحة الفساد في جهاز واحد بما يسهم في تركيز الجهود وعدم تشتت المهام والمسؤوليات.
ولعل من أبرز ما يحتاج إليه اقتصادنا في العام الجديد هو الاستمرار بشكل أكثر تأثيرا في حل مشكلة البطالة، فالبطالة وتراكمها وصمودها حول رقم يراوح عند 12 في المائة، هي من أهم التحديات لاقتصادنا، ولا بد من مواجهتها بحزمة من القرارات والخطوات المؤثرة فعليا، والواضح حتى اليوم أن قرارات وخطوات وزارة العمل غير فاعلة بشكل جيد ولم ولن تؤدي إلى تقليص البطالة بأرقام ونسب مرضية يمكن قبولها.
من الأشياء التي يحتاج إليها اقتصادنا اليوم بقوة، هو دخول صندوق الاستثمارات العامة بالشراكة مع القطاع الخاص لإيجاد كيانات اقتصادية كبيرة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، فالواضح اليوم أن قطاعنا الخاص لا يمكن الاعتماد عليه في قيادة الاقتصاد ولا توفير فرص العمل، وبالفعل يحتاج اقتصادنا اليوم إلى شركات قوية على غرار "سابك وشقيقاتها" في قطاعات الخدمات والترفيه والبناء العقاري، وهي قطاعات ما زالت تحتاج إلى كثير من التطوير والشراكات من قبل الصندوق لإيجاد كيانات كبيرة تقود الأنشطة في هذه القطاعات وغيرها.
مما يحتاج إليه اقتصادنا أيضا، هو جذب واستقطاب شركات واستثمارات أجنبية جديدة، فـ"الرؤية" تعد برفع نسبة الاستثمار الأجنبي من 3.8 إلى المعدل العالمي عند 5.7 في المائة، والواضح من خلال متابعة جذب الاستثمار الأجنبي أن هيئة الاستثمار تحتاج إلى خطط واستراتيجيات وعمل أكبر وأفضل مما يتم حاليا، ليمكن وصف عملها بالجيد، علما أنه ما زال تحت وصف الضعيف أو غير المقبول حاليا.
من المهم أيضا لاقتصادنا في العام الجديد تسريع تشغيل مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستثمارية المتأخرة، فتشغيل قطار وحافلات الرياض سيدعم النشاط الاقتصادي ويوفر كثيرا من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتشغيل مركز الملك عبدالله المالي سيكون مهما للحركة الاقتصادية عموما. هذان مثالان فقط، وإلا فهناك غيرهما من المشاريع التي تحتاج إلى تسريع وتحريك لتسهم في زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة توفير فرص العمل والتوظيف.
ومن الخطوات التي يجب النظر إليها اليوم، هي قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بدراسة شاملة للمزايا الجغرافية والاستثمارية لكل منطقة سعودية، فاستكشاف الفرص المختلفة والمتاحة في كل منطقة سعودية بحسب سكانها وجغرافيتها ومزاياها، أمر مهم لتنويع التنمية، لكن اكتشاف هذه الفرص يحتاج إلى دراسات واستقصاءات وزيارات واجتماعات ولقاءات مكثفة مع مسؤولي وأهالي المناطق المختلفة، وهو ما أتمنى أن تقوم به وزارة الاقتصاد والتخطيط خلال العام الجديد، فالتنوع والفرص موجودة عندنا، لكنها تحتاج إلى اكتشاف وحسن توجيه واستغلال.
ختاما، كانت الأعوام الخمسة الماضية من عمر "الرؤية"، أعوام عمل وتغيير وتمحيص وتعديل واستكمال للأنظمة والتشريعات التي تحكم وتدعم عمل الاقتصاد، ولأن برامج التحول 2020 هي الوجه الأول لـ"الرؤية"، فنريد بنهاية العام الجديد أن نقطف بعض النتائج على أرض الواقع، وأن يبدأ عداد تطوير الاقتصاد السعودي في الحساب من خلال تحسن أرقام البطالة وزيادة الاستثمار الأجنبي وتحقيق التنمية المناطقية وتشغيل المشاريع المتأخرة واعتماد إنشاء شركات كبيرة ومتوسطة تدعم تنمية القطاعات المختلفة للاقتصاد وتقودها، وهي أمور حيوية نحو تحقيق الهدف الأول لـ"الرؤية"، وهو التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على مصدر وحيد للدخل.