يا حظك
طرحت أربع وظائف، تقدم لها مئات الأشخاص. أحد المتقدمين كان متميزا. تحدث عن مشاريعه بعد التخرج بحماس، والوظائف التي شغلها بدوام جزئي طوال ثلاثة أعوام. كان يبحث فيها عن وظيفة رسمية بدوام كامل. عمل سائق توصيل طلبات، وموظف استقبال في شقق مفروشة، ومحاسبا في مطعم وجبات سريعة. ثم استعرض بعض كتاباته.
كنت عضوا في لجنة المقابلات وقتئذ. استوقفتني بعض مقالاته التي كان ينشرها في مدونته الخاصة، التي طبعها ووزعها علينا. وجدتها تتسم بالعمق والسلاسة.
لم أكن وحدي الذي أدهشته عصامية هذا الشاب وإبداع يراعه. ومن فرط إعجابنا بلغته وحرفه، طلبنا منه أن يكتب لنا رأيا عن موضوع مفاجئ طرحناه أمامه. وكانت ثقافته الواسعة حاضرة من خلال سرد منظم ولافت.
اتفقت لجنة المقابلات، بناء على معدله الأكاديمي وتميزه، أن يكون أحد المرشحين المناسبين لإحدى الوظائف الأربع.
بعد فترة أخبرني مسؤول في الموارد البشرية عن اتصال تلقاه من والدة هذا الشاب، بعد صدور قرار تعيينه. أجهشت فيه بالبكاء بسبب قبول ابنها. رد عليها الموظف أن ابنها هو الذي أكرمنا بتقديمه على الوظيفة وليس العكس. لكن أصرت في تعظيم شعورها بالامتنان. وروت له موقفا لن أنساه، رغم أنني سمعته قبل أكثر من ستة أعوام من زميلي في الموارد البشرية في الجهة التي عملت بها سابقا.
لقد استرجعت الأم حدثا لا ينسى قبل المقابلة، وحتى قبل التقديم على الوظيفة بشهرين.
قالت الأم إن ابنها قام بمساعدة صديقه بخمسة آلاف، وهي كل ما يملك بعد تعرضه لأزمة مادية.
منح صديق عمره كل ما يدخره، وهو لا يملك دخلا ثابتا من أجل الوقوف معه في محنته.
تستذكر الأم هذا الموقف، وكيف أن الله فتح لابنها بابا لم تتوقع أن يفتح، إثر موقف ابنها مع صديقه.
أستعيد هذه القصة دائما مع نفسي، رغم مرور أعوام عليها.
أذكر نفسي وأصدقائي بدعم الآخرين، لأن مساندتهم مساندة لنا.
لو تمكنت من تصفح قلوب البشر، لرأيت في كل قلب قصة ألم، فلنرحم بعضنا بعضا، لعل الله أن يرحمنا.
ويا حظ كل شخص لديه فرصة لمساعدة الآخرين ودعمهم.
المساعدة ليست هبة تقدمها للآخرين، لكنها وصفة سحرية لك للتوفيق والسداد والنجاح.