الضرورة الملحة في مواجهة التهديد القاتل «2 من 2»

إنه لأمر صادم حقا أن نعلم أن الحكومات حتى الآن عاجزة بالكامل عن تمويل هذه المبادرة الصحية العالمية ولو حتى بهذا المبلغ المتواضع، بينما شهدنا في الوقت ذاته قدرا كبيرا من السخاء من قبل أفراد وشركات في الاستجابة لجائحة "كوفيد - 19".
الواقع أن دونالد ترمب الرئيس الأمريكي قرر تعليق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية.
ولحسن الحظ - وما يـنسب إلى هذه الجهات الفضل في التوصل إليه - وافق الاتحاد الأوروبي وخمس دول - المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والنرويج، والسعودية - على سد الفراغ، كما عقدت هذه الجهات مؤتمرا خاصا للتعهدات في الرابع من أيار (مايو) الجاري. الحق إن هذه القمة تشكل الطريق الصحيح إلى الأمام، على النحو المبين أخيرا في بيان المهمة حول الصحة العالمية الذي ألقاه إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي وعلى النحو الموصى به في رسالة حديثة موقعة من قبل 200 خبير اقتصادي، ومهني عامل في مجال الصحة، ورؤساء دول ورؤساء ووزراء سابقين.
سيتطلب الأمر اتخاذ القرار بشأن أمور كثيرة. فرغم المساعدة التي قدمها أكبر الجهات المانحة للمساعدات في أوروبا والسعودية، فإن تحالف CEPI "تحالف الإبداع في التأهب للجائحات"، قطع ثلث الطريق فقط نحو تأمين ثلاثة مليارات دولار يحتاج إليها لتطوير وتصنيع مئات الملايين من جرعات لقاح "كوفيد - 19".
على نحو مماثل، قدم صندوق ويلكوم، ومؤسسة بيل وميليندا جيتس، ومؤسسة ماستركارد مجتمعين ما يصل إلى 125 مليون دولار من التمويل الأولي، لتسريع عجلة الجهود الرامية إلى تطوير علاج منقذ للحياة ضد فيروس كورونا وتمكين الجميع من الوصول إليه، لذا فإن خطة التدخلات العلاجية ولقاح "كوفيد - 19" تحتاج إلى 2.25 مليار دولار لتوفير أول 100 مليون مجموعة علاجية. كما تحتاج منظمات الخبراء التي تعمل على مراقبة وتحسين وتسليم الاختبارات التشخيصية حول العالم، مثل مؤسسة التشخيصات الجديدة المبتكرة، إلى الدعم أيضا.
يحدوني الأمل أن ينضم إلى حدث التعهد بالتبرعات في الأيام القليلة المقبلة مانحون من أستراليا، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية إلى كندا والمكسيك، فمن شأنه أن ينقل رسالة مفادها أن العالم لن يقبل قومية اللقاح، والقرصنة الطبية، والسباق إلى القاع. ويتعين على الولايات المتحدة والصين، اللتين كان كل منهما يساعد الدول على المستوى الثنائي، أن يثبتا زعامتهما العالمية من خلال الانضمام إلى المؤتمر، بدلا من محاولة منع المشاركة فيه.
من المؤسف أن العواقب المترتبة على الارتداد عن التعاون الدولي خلال الأشهر القليلة الماضية بات من الممكن الآن إحصاؤها بأعداد من فقدوا حياتهم. وبعد أن فشلنا في إيقاف الموجة الأولى من جائحة "كوفيد - 19"، لا يجوز لنا أن نرتكب الخطأ ذاته مرة أخرى.
ربما تبدو التدخلات العالمية بعيدة كل البعد عن المهام اليومية التي نواجهها جميعا كأفراد، وأسر، ومجتمعات في محاولة اجتياز هذه الأزمة. لكن إذا لم تنظر الدول إلى ما وراء حدودها وتسارع إلى تنسيق استجابة دولية، فسنعاني جميعا.
اليوم، يواجه العالم بأسره ما وصفه مارتن لوثر كينج الابن في مناسبة شهيرة بأنه "الحاجة الشديدة الإلحاح الآن". وبينما تهدد جائحة "كوفيد - 19" بتدمير ملايين الأرواح وسبل العيش في قارات العالم كافة، يتبين لنا أن كلمات كينج كانت نبوئية: "في معضلة الحياة والتاريخ التي تتوالى فصولها أمامنا الآن، يشكل خطر فوات الأوان تهديدا حقيقيا".
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي