عسكرية إيران .. خطر على نفسها قبل الآخرين

عسكرية إيران .. خطر على نفسها قبل الآخرين
الانقسام السياسي ينعكس بوضوح في صفوف الجيش.
عسكرية إيران .. خطر على نفسها قبل الآخرين
ادعاءات كاذبة عن اختراعات نوعية لم تتوقف حتى في ظل الجائحة.

أعلنت البحرية الإيرانية بداية الأسبوع الماضي تعرض البارجة "كنارك" لقصف صاروخي بنيران صديقة عن طريق الخطأ في مياه بحر العرب خلال مناورات عسكرية، أفضى إلى مقتل 19 عنصرا من قواتها وإصابة 15 آخرين، موضحة أن البارجة لم تلتزم بمسافة الأمان، بعد نقلها هدفا للتدريب إلى مكانه المحدد. وتعد "كنارك" إحدى أهم سفن الإسناد التي اشترتها إيران خلال عهد الشاه من هولندا، وأدخلت عليها تحسينات أهلتها عام 2018 للانضمام إلى القوات البحرية الإيرانية، فطولها يصل إلى 47 مترا وعرض 8٫5 متر ووزن 447 طنا، فضلا عن تجهيزها بمدفع 20 مليمترا، وثلاث منصات لإطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن.
وجد النظام في طهران نفسه هذه المرة عاجزا عن استخدام خطاب المؤامرة، للتخفيف من وقع الحادثة التي هزت الرأي العام الداخلي، فاهتدى الرئيس روحاني إلى حيلة قديمة، حيث شن يوم الأربعاء الماضي خلال اجتماع مجلس الوزراء هجوما حادا على دول عدة، قصد توجيه الأنظار بعيدا عن واقعة القصف الخطأ، شرع الرئيس في كيل الاتهامات شرقا وغربا دون تمييز، مستغربا من تعامل واشنطن مع دولته؛ "لا أتذكر وجود بيت أبيض بهذا الشكل في تاريخ أمريكا"، واصفا الولايات المتحدة الأمريكية بـ "اللا إنسانية والعجز وعدم الرحمة"، واسترسل في لغته الهجومية، باتهام دول بمسايرة السياسات الأمريكية "اللا إنسانية" ضد إيران.
يدرك الإيرانيون جيدا أن هذا الخطاب من أساليب النظام قصد التورية على أخطائه، باستعمال لغة شاعرية يسعى النظام بواسطتها إلى كسب ود أنصاره، أما أغلبية الشعب فيدرك يقينا أن ما جرى صنيعة إيرانية خالصة؛ المنفذون والضحايا إيرانيون وحتى الأسلحة المستعملة إيرانية، فلا يد لشرق ولا لغرب فيها. يحفل سجل النظام الإيراني بكوارث من هذا القبيل، كان آخرها ما جرى في الثامن من كانون الثاني (يناير)، حين أسقطت المضادات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية؛ من طراز "بوينج 737"، بسبب خطأ بشري، بعد إقلاعها من مطار الإمام الخميني جنوب العاصمة طهران، ما أسفر عن مقتل 176 شخصا كانوا على متنها.
لعنة الأخطاء العسكرية ليست بالأمر الطارئ في إيران، فبعد مضي عامين من إقامة جمهورية المرشد، أسقِطت الطائرة "130 C"؛ في حادث جوي في مدينة قم 29 أيلول (سبتمبر) 1981، وراح ضحيتها أكثر من 30 عسكريا من كبار القادة العسكريين الإيرانيين؛ من بينهم رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع وقائد سلاح الجو ونائب القائد العام للحرس الثوري وقائد قوات الحرس في مدينة خرمشهر جنوب غربي إيران، ما انعكس حينها بشكل واضح على وقع مجريات الحرب الإيرانية العراقية. كانت حماسة الحرب السبب وراء الترويج لرواية العطب الفني، بدل الاعتراف بواقعة الاستهداف عن طريق الخطأ، خاصة أن التحقيقات لم تحسم الجدل الذي ما زال قائما حولها، بعد مضي نحو 40 عاما على وقوع الحادث.
لقي الجنرال اللواء عباس بابائي رئيس عمليات السلاح الجوي للجيش حتفه بالشاكلة ذاتها، بعد قيام الدفاع الجوي الإيراني غرب البلاد بإطلاق النار خطأ على طائرة عسكرية، كانت تقله يوم السادس من آب (أغسطس) 1987 أثناء الحرب الإيرانية العراقية، ويذهب بعض الروايات إلى أن بابائي؛ وهو من أبرز القادة العسكريين خلال أعوام الحرب، قد دخل الأجواء العراقية بطائرة F5 التدريبية، انطلاقا من قاعدة مدينة تبريز الجوية، بغية القيام بمهمة استطلاعية، لكن طائرته تعرضت بعد العودة لعملية إطلاق نار من قبل قوات الدفاع الجوي الإيراني، في منطقة "سردشت" غربي إيران، ما أدى إلى إسقاطها.
أمام هذه الأخطاء البشرية الكارثية لا يستحيي النظام الإيراني من التلويح بالسعي نحو الحصول على أسلحة نووية، وفي غمرة هذا السباق المحموم نحو المجهول، أعلنت طهران في 22 نيسان (أبريل) نجاح مهمة إطلاق "نور 1" أول قمر صناعي لأغراض عسكرية، خطوة وصفها الحرس الثوري بأنها عمل كبير، وانعطافة جديدة على الصعيد الفضائي لإيران.
يثير اتجاه من المراقبين أسئلة لها نصيب كبير من المشروعية، وتفتح الباب للشكوك حول السرديات التي يروجها النظام في إيران عن نفسه، تضعنا تلك الأسئلة أمام كثير من الغموض ودوائر من الالتباس، تعجز الباحث عن تقديم تفسير عقلاني ومقنع لها.
تعلن إيران بين الفينة والأخرى نجاح هذه التجربة أو تلك في مجالات عسكرية دقيقة، لعل آخرها إطلاق القمر العسكري "نور 1"، في الوقت ذاته ترتكب أجهزتها من الأخطاء الكارثية "الطائرة الأوكرانية مثلا" ما لا يفعله أي مبتدئ في المجال، فكيف إن كان الأمر يتعلق بدولة يدعي مرشدها أنها على مسار "الدول الكبرى"، لا بل الدول الساعية إلى ولوج النادي النووي قريبا.
مقابل هذا يشكو رئيسها من "لا إنسانية" أمريكا ودول مجاورة في التعامل معه، بعدم الوقوف إلى جانبه في مواجهة جائحة كورونا. وهنا سؤال آخر مشروع؛ كيف لدولة "قوية" ترسل الأقمار الصناعية إلى الفضاء أن تستجدي المساعدات؟ قد يفسر البعض ذلك بتأثير العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على الدولة، ما يقود إلى سؤال آخر أكثر غرابة؛ أليس من الجنون أن يقود نظام شعبه نحو الجوع والفقر والهلاك مقابل تحقيق أحلام تراود زمرة من قادته ورموزه؟ هذا على فرض أنهم يسعون فعلا إلى تحقيقها، فتوالي الأخطاء العسكرية القاتلة في إيران يجعل الدولة أشبه بجماعة أو قبيلة تتعلم أدبيات التمرد ضد الدولة، وهذا بدوره يثير السؤال عن حقيقة الرواية الخرافية حول الكفاءة العسكرية للنظام الإيراني الذي خاض منذ قيامه حربا واحدة؟
مهما يكن منسوب صحة هذه الأسئلة، فالظاهر أن هذه الأخطاء تكشف عن مستوى التوتر السياسي داخل إيران، بفعل الأزمة الاقتصادية من ناحية، والضغط الشعبي من ناحية أخرى، ما يجعل الأصابع على الزناد ترتجف، فتفضي إلى هذه الأخطاء، ما يدفع إلى سؤال حفنة "الممانعين" من بني جلدتنا، ممن يدافعون عن حق طهران في امتلاك السلاح النووي، عن مستقبل البشرية؟

الأكثر قراءة