الاقتصاد العالمي ينزلق في الركود العميق

تتفق المؤسسات الدولية المختصة، على أن الوضع الاقتصادي العالمي في خطر داهم بالفعل، جراء تفشي وباء كورونا المستجد، الذي لا يزال بعيدا عن مرحلة التخلص منه، لا سيما في ظل فشل العالم في العثور على لقاح له، وإن بدأت النجاحات تظهر شيئا فشيئا على صعيد محاصرته.
فالاقتصاد العالمي، دخل بالفعل مرحلة الركود العميق، الأمر الذي يضع الكساد على الأبواب، إذا لم تبدأ مرحلة التعافي الاقتصادي الحقيقي. وهذه المرحلة ليست قريبة - كما يبدو - الأمر الذي دفع الحكومات حول العالم إلى ضخ مزيد من الأموال لدعم اقتصاداتها، وحماية ما أمكن من المؤسسات والشركات التي تمثل رموزا حقيقية لهذه الاقتصادات. وعلى هذا الأساس، تبقى المخاوف من مغبة مواصلة حالة الاقتصاد التدهور في الأشهر المتبقية من العام الجاري مع الاستمرار البطئ للنمو حتى عام 2021، مع التأكيد أن مشاريع الإنقاذ الحكومية هي التي تسيطر على المشهد العام.
وهنا جاءت وصفة بنصيحة من مسؤولي ومختصي البنك الدولي تعزز الحقائق الموجودة على الأرض، عندما أكدوا أن الجائحة العالمية، سببت صدمة سريعة وضخمة للاقتصاد العالمي، ومضوا أبعد من ذلك في توصياتهم، بالتأكيد أن هذه الجائحة أغرقت الاقتصاد في أسوأ تدهور منذ 150 عاما. وهذا يعني أن الانكماش حاصل لا محالة. وبدأت الدول الكبرى بالفعل في مراقبة الانكماش الاقتصادي فيها، الذي يصل بنهاية العام الجاري في دولة مثل ألمانيا إلى 8 في المائة، وفي بريطانيا إلى 12 في المائة، وفرنسا إلى 15 في المائة. وكلها تقديرات مبدئية، إلا أن مسارها يتجه نحو الأعلى مع مرور الوقت. فبحسب البنك الدولي، فإن الانكماش قد يصل إلى 5.2 في المائة بنهاية العام الحالي. وهذا مستوى لم يسبق له مثيل منذ 80 عاما على الأقل.
والمشهد حاليا ينذر بحالة من الخوف والتوتر من ركود طويل سيقود حتما إلى كساد رهيب، إذا لم تحدث قفزات نوعية في حماية عجلة الاقتصاد العالمي هذا العام. وهذا كله يأتي بوجود العالم بأطرافه كافة، خاصة الاقتصادية والمالية، لتجاوز هذه المرحلة التاريخية الحرجة والصعبة في الوقت نفسه، خصوصا أن الخوف الأكبر، أن تكون تداعيات جائحة كورونا أكثر استدامة، ما يرفع من حجم التحديات التي يواجهها العالم، مع استحقاقات عديدة، في مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة عالميا واستمرار تسريح الموظفين والعمالة والاستغناء عنها بشكل لم يحدث من قبل، وزيادة حجم الفقراء بنسب أعلى من السابق، وتخلف كثير من الدول عن السداد، ولا سيما النامية منها، التي تعتمد على الديون من أجل تحريك اقتصاداتها. وهذا ما يفسر مثلا، دعوة أكثر من 200 مسؤول حول العالم، إلى ضرورة النظر في هذه الديون من منظار الأزمة الراهنة، وتخفيف الضغوط قدر الإمكان. وبحسب البنك الدولي، فإن الفقر سيطول ما بين 70 و100 مليون شخص بسبب الجائحة القاتلة هذه.
والمخاوف الأكبر أيضا، هي تلك المتعلقة بإمكانية أن يشهد العالم موجة ثانية من كورونا المستجد، الأمر الذي سيفرغ كل حزم الإنقاذ من أهميتها ومحتواها أيضا. ولهذا السبب، ترى جهات دولية عدة ضرورة عدم التسرع في تخفيف القيود على الحركة البشرية، والتأني في فتح الأسواق، لا سيما تلك التي قد تشهد انطلاق الموجة الثانية المحتملة منها، لأن أي موجة أخرى، حتى لو كانت أقل حدة من الأولى، ستضرب المساعي المبذولة للوصول بالعالم إلى مرحلة التعافي.
إنها حقيقة معضلة لا أحد يمكنه أن يتنبأ بآثارها تماما، إلى أن تتضح الصورة الكاملة لمصير هذا الوباء الذي لم يتوقعه أحد. لا حديث عن النمو الآن، وإن كان هناك إشارات على أن الصين قد تحقق بعض النمو، لكن ليس مثل ذلك المعهود فيها. المهم نجاح السيطرة على الوباء، بتعاون دولي كامل، وبعدها يمكن أن تحصى الخسائر كلها على الساحة الدولية، اقتصاديا وبشريا واجتماعيا حتى سياسيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي