إلغاء الدفعة المقدمة وعقارات الدولة
ناقش مجلس الشورى قبل أيام تقرير لجنته للإسكان على تقرير وزارة الإسكان السنوي للعام المالي المنصرم 1440 / 1441هـ، الموافق 2019. وطالبت اللجنة في تقريرها وزارة الإسكان، وبالتنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي، بدراسة إلغاء الدفعة المصرفية المقدمة قبل تسلم القرض المدعوم.
انتظرت لعلي أحصل على تفاصيل عما دار في المجلس ولم يتحقق ذلك، ولذا قد لا يكون ما سأقوله في هذا المقال جديدا على اللجنة و/أو المجلس. أتفق مع مبدأ المطالبة ويصبح النقاش في التفاصيل، هذه التفاصيل طويلة، لا يكفيها مقال. وهنا خلاصة ما أراه الأهم منها.
أساس المطالبة أمران: الأول: هناك فئات ذات دخل محدود، وتستحق مراعاة وإلغاء أو تيسير الدفعة المقدمة كمثال. والآخر: وجود طرق تحايل لتحقيق شرط الدفعة المقدمة، عند من لا تتوافر لديه كلها أو بعضها. مثلا، رفع سعر الوحدة السكنية في عقد المبايعة بما يساوي الدفعة المقدمة.
تقل كثيرا أهمية المطالبة بالإلغاء لو انخفضت الأسعار انخفاضا كبيرا كالنصف مثلا، بما يعني انهيارها. تحقق هذا مستبعد دون حصول انهيار في الاقتصاد. أما ما يعرف برسوم الأراضي فهي في حقيقتها غرامة على ترك الأراضي بيضاء. ومن ثم تعمل هذه الغرامة على زيادة العرض وخفض الأسعار. السؤال التالي كم يزيد العرض وكم تنخفض الأسعار توقعا؟ التأثير ليس قويا حتى مع تطبيق المراحل كلها لأسباب كثيرة لا يتيح المقام بسطها، لكني أشير إلى سببين باختصار: الأول، وجود أساليب غير مكلفة كثيرا، ومسموح بها نظاما، لكنها تغير في شكل بعض الأراضي البيضاء بما يجعلها لا تحمل مسمى أرض بيضاء، ومن ثم تخرج من نطاق تطبيق الرسوم. ويساعد على نجاح هذه الأساليب عدم وجود ضرائب على العقارات. والسبب الثاني، توسع مساحات المخططات العمرانية لكبرى مدننا توسعا كبيرا، وبعضها أراض مهدرة.
وقصدي بالمهدرة أنها ليست بيضاء بالتعريف الدارج، لكن مساحتها فوق الحاجة كثيرا. مساحات المطارات والجامعات وأجهزة حكومية كثيرة أمثلة. فمثلا، مساحة جامعة هارفارد كيلو متر مربع تقريبا، مقابل بضعة عشر كم2 مساحة كل جامعة حكومية في مدينة الرياض مثلا. ومساحة مطار الملك خالد في الرياض أكثر من 200 كم2، مقابل نحو 13 كم2 لمساحة مطار دبي أو هيثرو أو شيكاغو، وكل مطار منها يخدم تقريبا أربعة أضعاف عدد الركاب الذين يخدمهم مطار الملك خالد حسب إحصاءات العام الماضي من مواقع هذه المطارات.
وسبق أن كتبت مقالا بعنوان: "رسوم الأراضي مؤقتة وتأثيرها ليس قويا" نشر في 29 / 8 / 2016. صحيح أنها طبقت في مدن في دول أخرى، وكان لها تأثير قوي، لكن هذا نصف الصورة. النصف الآخر أنها طبقت معها سياسات داعمة أخرى، كالإعفاء من ضرائب العقار أو تخفيفها بقوة.
يجب أن يقترن مع الإلغاء توقع شبه يقيني بكون تبعات وتأثيرات الإلغاء النافعة تطغى على التأثيرات السلبية. ودون ذلك لا داعي للإلغاء. إن القرارات الاقتصادية بطبيعتها سلاح ذو حدين. تجلب منافع من جهة وتأثيرات سلبية من جهة. والعبرة بالغلبة. ومن الغلبة السعي إلى تعظيم المنافع وتقليل السلبيات. ويرتبط بهذه النقطة مدى توافر الإمكانات للتطبيق.
لا شك أن إلغاء - وبصفة أعم - أو تسهيلا أكثر في الدفعة المقدمة يقوي ويسرع الرغبات في التملك، خاصة لمن ظروفهم تجعل توفير دفعة مقدمة أصعب عليهم من آخرين. وهذا يتطلب دخولا في معرفة الصعوبات ووضع معايير موضوعية لها.
أما على المدى البعيد، فالأمر مفترض أن يزيد الاهتمام بموضوع برنامج الادخار السكني المطروح منذ مدة. والدفعة المقدمة أصلا قليلة، وأرى من حيث المبدأ أن تزاد بعد تحقيق إصلاحات كتطبيق ذلك البرنامج الادخاري. والآن أنتقل للحديث عن مسألة مدى توافر الإمكانات للتطبيق.
إلغاء الدفعة المقدمة له اعتبارات وآثار لا تخفى على ذوي الاختصاص. ونظرا لضيق المقام سأحصر الكلام عما يخص المقترض. هو يعني عادة بالنسبة له إما زيادة مدة سداد الأقساط، أو زيادة حجم القسط، أو بحث عن عقار أرخص.
السؤال: هل يمكن تحقيق الإلغاء دون دفع ثمن واحد أو أكثر من هذه الأثمان الثلاثة؟ ممكن على الأقل للبعض عبر تبني سياسات، لكنها مكلفة على الدولة.
من السياسات أن تدفع الدولة كل أو بعض الدفعة المقدمة، مع سداد ميسر جدا، مقرون بإعفاء من نسبة منه. وكل هذه وفق ضوابط وشروط.
السؤال التالي: ما مصدر الدولة لتمويل ما تدفعه؟
المصدر الأكبر أراضي الدولة البيضاء أو المهدرة التي ضربت في فقرة سابقة أمثلة لها.
مما جاء في المادة الثانية من لوائح وأنظمة اعتماد لائحة التصرف في عقارات الدولة ما يلي:
تحقيق الاستغلال الأمثل لعقارات الدولة بما يحقق الأهداف المرجوة منها.
وجاء في المادة الثالثة:
تسري أحكام اللائحة على جميع عقارات الدولة، باستثناء ما نصت الأنظمة والتنظيمات والأوامر على تخصيصه للجهات الحكومية أو دخوله تحت إشرافها.
وجاء في المادة السادسة:
تخصص عقارات الدولة لمصلحة الجهات الحكومية في حدود حاجاتها إليها وذلك وفق ضوابط يعتمدها المجلس. وللهيئة تخصيص عقارات الدولة لغير الجهات الحكومية بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء.
ومما جاء لتحسين الإنتاجية:
1. تحسين استخدام المساحة في عقارات الدولة.
2. إعادة توزيع الجهات الحكومية من المواقع ذات العائد الأعلى.
3. مراجعة الدعم الحكومي على أراضي الدولة المقدم للقطاعات.
4. تحسين الاستغلال التجاري لعقارات الدولة غير المستغلة.
وتبعا: مطلوب وضع معايير معدة عالميا ومحليا ووفق تشخيص دقيق تحدد في ضوئها أمور مثل حاجة المطارات والجامعات والأجهزة الحكومية الأخرى من مساحات الأراضي، ومثل المواقع ذات العائد الأعلى. ثم توضع معايير للتطبيق.
والخطوة التالية: فيما يخص المساحات الزائدة استثمار هذه المساحات بيعا أو تأجيرا. وما يباع تستثمر عوائده. وتستخدم العوائد في دعم المستحقين في الإسكان وغير الإسكان. وأتوقع أن تبلغ هذه العوائد عشرات المليارات سنويا.