المنتجات الزراعية .. الواقع والتسويق والأسعار

ترتبط المنتجات الزراعية بالزراعة وهي وقود الحياة بل لا وجود بشريا دونما منتجات زراعية بما في ذلك المنتجات الحيوانية والسمكية. ولذلك قالت أم إسماعيل لأبي الأنبياء إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - عندما هاجر بها إلى مكة المكرمة إلى مكان لا ماء فيه ولا كلأ، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. ونزلت هذه الآية الكريمة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) حتى قوله تعالى (لعلهم يشكرون). إبراهيم.
والزراعة والغذاء حياة ترتبط بالمياه، قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء. وشاء الله أن يتفجر من هذا الوادي في مكة المكرمة ماء مبارك فيه شفاء للناس وقامت عليه ولا تزال حضارات بشرية متتابعة.
بعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أنشأ المديرية العامة للزراعة عام 1367هـ لتتحول فيما بعد إلى وزارة للزراعة والمياه عام 1373هـ ولتبدأ المملكة نهضة زراعية أدهشت العالم وتتحول الصحراء إلى واحات خضراء في كل أرجاء المملكة ومناطقها وتخرج أرضها آلاف الأصناف من المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية وتواكب التطورات العالمية في الصناعة الزراعية وتقدم المنتجات الطازجة لمواطنيها والمقيمين على أرضها وتدفع بالفائض من بعض منتجاتها لدول الجوار وبعض دول العالم.
وإذ تعد كل هذه الإنجازات التي تمت ولا تزال تحدث على أرض المملكة فخرا لكل مواطن ومسؤول، فإن هذا لا يعني أن لدينا بعض القصور في سلسلة الإمداد التي تبدأ بالمزارع وتنتهي بالمستهلك.
دأبت مدن المملكة على وجود أسواق للخضراوات والفاكهة واللحوم في تقليد يكاد يكون إلزاميا ومن مرافق البنية التحتية الذي لا غنى عنه وليته شهد تطورا يتماشى مع التطور الذي يشهده القطاع الزراعي ومنتجاته، إذا نظرنا إلى هذه الأسواق فإنها لا تعدو أنها منشآت عمرها قديم وتفتقر في الأغلب إلى المواصفات الحديثة للحفظ والعرض المناسب والمبرد للمنتجات الزراعية ومرتاديها، وبيئة خصبة للتستر وتسلط العمالة الأجنبية في جني ثمار العوائد الاقتصادية من المنتجات الزراعية واستنزاف وبخس المزارعين أثمان حاصلاتهم الزراعية على أرصفة هذه الأسواق بدفع مبالغ زهيدة فيما يسمى بالحراج الذي لا يخلو من تكتلات عمالية تتفق على محصول المزارع ويوقف الحراج عند ثمن بخس في تبادل للأدوار والفائدة بينهم، ليباع كرتون الطماطم مثلا سعة ثمانية كيلوجرامات بريالين أو ثلاثة وينتهي عند المستهلك بـ 40 ريالا، ومثل ذلك يندرج على بقية المنتجات الزراعية.
وهناك من يتلقى الركبان فيصرف المزارع الذي أحضر محصوله ويصعب عليه مزاحمة طابور المنتجات التي تحضر مبكرا لهذه الأسواق ليقتادها إلى مستودعات خاصة به ويشتريها بثمن أقل مما يعرض في الأسواق، كذلك ليقوم بعرضها في الأوقات والأماكن المناسبة، ولذلك نسمع كثيرا صرخات المزارعين في هذه الأسواق أن منهم من يعرض منتجاته بسعر التكلفة، وقد لا يجد مشتريا أحيانا ومنهم من يعود بمنتجاته الطازجة ليطعمها لمواشيه ويتكبد الخسائر والإحباط .هذه حقيقة ما يحدث كثيرا في معظم أسواق الخضار والفواكه واللحوم والأسماك، ما يتطلب التأمل وسرعة التدخل لحل هذه المشكلة المزمنة.
إن من يبيع صندوق الطماطم بريالين أو ثلاثة ومن يشتريه بـ 30 و40 ريالا كلاهما ضحية في معادلة طرفاها خاسر، والمستفيد الأكبر هم أولئك الوسطاء وليت هؤلاء الوسطاء قدموا للمنتج ما يبرر هذه الزيادات التي تصل إلى عشرة أضعاف السعر، إنما هو الصندوق الذي قام بتعبئته المزارع بل إن تنقله من وسيط إلى آخر قد أضر بجودته وأفقده بعض خصائصه، خاصة إذا تعرض لنقل وتخزين غير مبرد.
إن تعبئة الخضار والفواكه بأحجام كبيرة مدعاة للهدر واستنزاف الموارد قبل المبالغ، فرب الأسرة يضطر كثيرا من الأحيان لشراء صندوق الخضار أو الفاكهة من هذه الأسواق التقليدية أو حتى منافذ بيع الخضار والفاكهة في الحي بسعر عال وتأخذ حيزا كبيرا في ثلاجة منزله ويستهلك بعضها ويتلف الباقي، بينما لو وجد المنتج بعبوات معبأة بطريقة جيدة وتتناسب وحجم استهلاك أسرته ووفق ظروفه المادية لكان ذلك أنسب له وهذا ما تجده في الأسواق الأكثر تنظيما، وبعض الأسواق المركزية تقوم بشراء كميات من هذه المنتجات وتضعها على هيئة أكوام ليتولى الزبون تقليبها وشراء ما يروق له شكلا ووزنا، وهذا أيضا مدعاة لهدر وإتلاف المنتج والأوقات وطريقة تقليدية يمكن الاستعاضة عنها بطرق أكثر صحية وسلامة للمنتج.
الدول التي سبقتنا في احتراف تسويق الخضار والفاكهة واللحوم والأسماك تعتمد في أغلب تصريفها للمنتجات الزراعية على البدء بالمزارع نفسه وتوعيته بأهمية اختيار الأصناف المحسنة من الخضار والفواكه، التي تختص بالطلب الكبير والأسعار الجيدة وذات جودة تتحمل التخزين وفترة العرض الطويلة دون تلف أو تدن لجودتها، وتدفع بهؤلاء المزارعين لعمل تكتلات وتعاون في مناطقهم في جمعيات زراعية فاعلة مزودة بمعدات للفرز والتعبئة والتغليف والتخزين والنقل المبرد أو المجمد، ومزودة بمختبر لفحص ومتابعة الجودة وصنع علامات تسويقية تميز المنتج وتوجد الثقة في المستهلك بالاستمرار بشراء منتجاتهم، وتكون التعبئة وفق متطلبات كل شرائح المجتمع وتتولى هذه الجمعيات كل أعباء التسويق نيابة عن المزارع الذي ينتهي دوره بتسليم المنتج لمنطقة التسلم بهذه الجمعيات، وتقديم بعض الجمعيات للمزارع كل احتياجاته من البذور والأسمدة بأسعار شراء الجملة، فيه توفير له عن شرائه لها مفردة وتمتد بعض خدماتها لتتولى المكافحة والحصاد والنقل من مزرعته، كذلك بينما توفر ضمن كوادرها مسوقين محترفين لفتح منافذ البيع في الأسواق المركزية (الهايبر ماركت) ومنافذ بيع الخضار والفاكهة في الأحياء دون الحاجة إلى مزيد من الوسطاء.
وبهذا يضمن المزارع التفرغ لعمله الزراعي ويحصل على سعر مجز لمنتجه، ويحصل المستهلك على حاجته الفعلية بجودة عالية تحت إشراف مختبر يضمن الجودة والسلامة من المبيدات والأمراض النباتية الضارة والفساد وبسعر معقول. فهل سنعيد النظر في أسواق الجملة للخضار والفاكهة في مدن المملكة؟.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي