التنوع الحيوي والطبيعي مصدر للاستثمار

يعد التنوع الحيوي، الذي هو تعدد الأصناف النباتية والحيوانية، حجر الأساس في أي نهضة زراعية أو حيوانية أو سمكية. ونظرا إلى اتساع مساحة المملكة وتباينها جغرافيا، فإن هذا ينعكس إيجابيا على إمكاناتها الإنتاجية، حيث تقع السعودية بين قارات ثلاث، آسيا أوروبا وإفريقيا، بمساحة 2,150,000 كيلومتر مربع، وتمتد جغرافيا من الشمال إلى الجنوب بطول يزيد على ألفي كيلومتر، يمنحها هذا الاتساع الجغرافي لتكون دولة متاخمة لمناخ دول البحر الأبيض المتوسط في الشمال، وليست بعيدة عن خط الاستواء في الجنوب، يتخللها في وسطها مناخ صحراوي حدي، بارد شتاء وحار صيفا.
وهناك التضاريس المختلفة، حيث توجد المرتفعات الجبلية والأودية والكثبان الرملية والهضاب والسهول، فيقع على امتداد ساحل البحر الأحمر سهل تهامة بطول يبلغ نحو 1100 كيلومتر، وترتفع شرقه سلسلة جبال السروات، التي يراوح ارتفاعها ما بين تسعة آلاف قدم في الجنوب ويقل الارتفاع تدريجيا كلما اتجهت شمالا لتصل إلى ثلاثة آلاف قدم، وتنحدر منها عدة أودية شرقا وغربا، ويلي هذه السلسلة من جهة الشرق هضبة نجد ومرتفعاتها التي تصل شرقا إلى صحراء الدهناء وصحراء الصمان وجنوبا في منطقة يتخللها وادي الدواسر وواحات الأفلاج والخرج وتحاذي صحراء الربع الخالي، ومن الشمال تمتد سهول نجد إلى منطقة حائل حتى تتصل بصحراء النفود ثم بحدود العراق والأردن، كما يوجد فيها بعض المرتفعات الجبلية، مثل جبال طويق والعارض وأجا وسلمى، وواحات ومناطق زراعية، مثل دومة الجندل والجوف وطبرجل ومنطقة تبوك، التي تعد منطقة زراعية متميزة، أما السهل الساحلي الشرقي الواقع على الخليج العربي فيتألف من واحات زراعية، مثل واحة الأحساء، التي سجلت أكبر واحة نخيل في العالم في موسوعة جينيس، بينما يوجد فيها سبخات ملحية ومناطق رملية، خاصة الربع الخالي.
وموقع السعودية الجغرافي وتكوينها الجيولوجي المتباين واختلاف مظاهر سطحها ومناخها من منطقة إلى أخرى، أدى إلى وجود عديد من البيئات الطبيعية، التي تختلف في مكونات غطائها النباتي والحيواني من مكان إلى آخر، وذلك من حيث التنوع والكثافة والتوزيع.
ويبلغ إجمالي مساحة الغابات في السعودية 27280 كيلو مترا مربعا، وبالتالي تحتل السعودية المركز الرابع في الترتيب على مستوى الوطن العربي من حيث مساحة الغابات بعد كل من السودان والمغرب والجزائر. وقد تم تسجيل نحو 2243 نوعا نباتيا في السعودية، منها نحو 35 نوعا نباتيا متوطنا، أي نحو 2 في المائة من مجموع الأنواع النباتية ضمن 837 جنسا، ينمو معظمها في جبال ووديان المنطقة الجنوبية الغربية ذات المناخ المداري. ومن ناحية التوزيع المكاني، تتركز النباتات في المناطق الجافة من المملكة، بصفة رئيسة في المناطق المنخفضة، كالروضات والأودية ومسارب المياه، حيث تتجمع المياه بعد الأمطار، أما النباتات المعمرة، التي تمثل ما بين 35 إلى 40 في المائة من عدد الأنواع الصحراوية، كما توجد هذه النباتات كذلك على الكثبان الرملية والسباخ. وينمو في الأراضي المرتفعة في جنوب وجنوب غـرب شبه الجزيرة العربية غابات وحشائش سافانا، الأراضي المرتفعة، مثل تلك التي تنتشر في شمال شرق إفريقيا، أما المناطق الصحراوية المنخفضة من هذا الإقليم فتنمو فيها الأنواع النباتية الشبيهة بالسافانا، مثل الطلح والسمر والسلم، وغيرها من الأشجار المدارية المبعثرة.
وتتركز غابات العرعر على المرتفعات العالية في جبال السروات، التي تمتاز ببرودتها وارتفاع معدل الرطوبة فيها. وتنمو نباتات القرم في الخلجان الصغيرة "الجون" المحمية على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر والساحل الغربي للخليج العربي. وينتشر نبات الدوم على مقربة من ساحل البحر الأحمر، خاصة في الأجزاء الشمالية والجنوبية وفي سهل تهامة والأودية، التي تنحدر من المرتفعات الغربية نحو الغرب، وذلك حيث تتوافر الرطوبة والدفء.
كذلك التنوع في الحيوانات في المملكة، المزدهر بشكل أفضل من النباتات، حيث وجد عديد من الثدييات الكبيرة، خاصة المستأنسة في السعودية، تشمل الجمال بأصنافها البرية والساحلية، والأبقار المحلية، والأغنام النجدية والحرية والعواسي والنعيمي والسواكن والبربر والماعز البري والماعز المستأنس، كالعوارض والصمع والسورية، إضافة إلى بعض الوحوش كالذئب العربي، والنمر العربي، والثعلب الأحمر، والفنك، والوشق، والضبع المخطط، والقط الرملي، والوبر الصخري، والأرنب الأخضر، والفهد العربي المهدد بالانقراض، والمنطقة الأوسع هي أيضا موطن قردة البابون مع المستعمرات التي تصل إلى أقصى الشمال، مثل الباحة والطائف وضواحي جنوب مكة المكرمة.
وتشمل الطيور الحمام والسمان والنسور العقبان والطناجر والوتيرات والقماري والحبارى وغيرها، وعلى الساحل تشمل الطيور البحرية البجع والنوارس، والخرشنة والفلامينجو والإوز ومالك الحزين، ويزور البلد أيضا الطيور المهاجرة في فصلي الربيع والخريف، بما في ذلك طيور النحام واللقالق والبلع. ويعد الحبارى الآسيوي من الأنواع المقيمة، التي تعتمد على الغطاء النباتي الجيد، أما الأسماك والأحياء البحرية فيبلغ التنوع فيها معدلات عالية، سواء في البحر الأحمر أو الخليج العربي، حيث يشمل شمال البحر الأحمر معظم الأصناف الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى أصناف محلية مستوطنة من الأسماك أصناف الشعور والبياض والهامور والتونة والشعوم والماكريل والدلافين والحيتان والقروش والرخويات والأصداف وغيرها، بينما تسود الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر أصناف أسماك المحيط الهندي وبحر العرب، خاصة الروبيان والأستكوزا "اللوبستر" والكنعد وأبوسيف والمرجان والحريد وغيرها.
إن هذا التنوع الحيوي "البيولوجي" للأصناف النباتية والحيوانية يعطي المملكة - إمكانات كبيرة للاستثمار الزراعي والحيواني والسمكي، بحيث يستفاد من أجواء شمال المملكة لإنتاج منتجات البحر الأبيض المتوسط من الخضراوات والفواكه، خاصة اللوزيات، كالمشمش والدراق والبرتقال والتفاح والتين والفراولة وإنتاج الزيتون، وكذلك البطاطس وعديد من الخضراوات، وهو ما حقق نجاحا باهرا في عديد من شركاتنا الزراعية، بينما يقدم جنوب المملكة الفواكه الاستوائية، مثل الباباي والقشطة والرمان والمنجا والجوافة والموز، وتسهم المناطق شبه الجافة في حائل والجوف ووادي الدواسر في إنتاج القمح والشعير والذرة، وغيرها من الحبوب، بينما تنتج الواحات التمر في الأحساء والخرج والقصيم والمدينة المنورة، فكل منطقة من مناطق المملكة ذات ميزة نسبية تجعلها تقدم منتجاتها بتكلفة أقل وبجودة عالية، وبطريقة مستدامة تتماشى مع طبيعة المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي